واعتزّ بنو إسرائيل بهذا الرضاع ، والسبب من المملكة ، وأقام موسى عليهالسلام حتى كمل رضاعه ، فأرسلت إليها آسية : أن جئيني بولدي ليوم كذا ، وأمرت خدمها ، ومن معها أن يلقينه بالتحف ، والهدايا ، واللّباس ؛ فوصل إليها على ذلك ، وهو بخير حال وأجمل ثياب ، فسرّت به ، ودخلت به على فرعون؟ ليراه ويهب له (١) فرآه وأعجبه ، وقرّبه فأخذ موسى عليهالسلام بلحية فرعون ، وجبذها ، فاستشاط فرعون ، وقال : هذا عدوّ لي ، وأمر بذبحه ، فناشدته فيه امرأته ، وقالت : إنه لا يعقل ، فقال فرعون : بل يعقل ، فاتّفقا على تجريبه بالجمرة (٢) والياقوت ؛ حسب ما تقدّم ، فنجاه الله من فرعون ورجع إلى أمّه ، فشبّ عندها ، فاعتزّ به بنو إسرائيل (٣) إلى أن ترعرع ، وكان فتى جلدا (٤) فاضلا كاملا ، فاعتزت به بنو إسرائيل بظاهر ذلك الرضاع ، وكان يحميهم ، ويكون ضلعه معهم ، وهو يعلم من نفسه أنه منهم ، ومن صميمهم ، فكانت بصيرته في حمايتهم أكيدة ، وكان يعرف ذلك أعيان بني إسرائيل ، ثم وقعت له قصّة القبطيّ المتقاتل مع الإسرائيلي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وعدد الله سبحانه على موسى في هذه الآية ما تضمنته هذه القصّة : من لطفه سبحانه به في كلّ فصل ، وتخليصه من قصّة إلى أخرى ، وهذه الفتون التي فتنه بها ، أي : اختبره بها ، وخلّصه حتى صلح للنّبوّة ، وسلم لها.
وقوله (ما يُوحى) / إبهام يتضمن عظم الأمر وجلالته وهذا كقوله تعالى : (إِذْ) أ(يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠]. وهو كثير في القرآن ، والكلام الفصيح.
وقوله : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) خبر خرج في صيغة الأمر (٥) [مبالغة ؛ ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم «قوموا فلأصل لكم» فأخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه ، مبالغة] (٦) ، وهذا كثير ، والمراد بالعدوّ في الآية : فرعون ثم أخبر تعالى موسى عليهالسلام أنه ألقى عليه محبّة منه.
__________________
(١) في ج : ويهبه.
(٢) في ج : بالجمرات.
(٣) في ج : بنو إسرائيل بظاهر هذا الرضاع.
(٤) الجلد : القوة والشدة ، وجلد الرجل فهو جلد جليد.
ينظر : «لسان العرب» (٦٥٤)
(٥) في ج : الأمر لنفسه.
(٦) سقط في ج.