قالت فرقة : أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده ، وكان حظّ موسى منه في غاية الوفر ؛ وهذا أقوى ما قيل هنا من الأقوال.
وقرأ الجمهور (١) : «ولتصنع» بكسر اللام ، وضم التاء ؛ على معنى : ولتغذى ، وتطعم ، وتربى.
وقوله : (عَلى عَيْنِي) معناه : بمرأى منّي.
وقوله : (عَلى قَدَرٍ) أي : لميقات محدود للنبوّة التي قد أرادها الله تعالى ، (وَاصْطَنَعْتُكَ) : معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان.
وقوله : (لِنَفْسِي) إضافة تشريف ؛ وهذا كما تقول : بيت الله ، ونحوه : «والصيام لي» (٢) وعبّر بالنّفس عن شدّة القرب ، وقوة الاختصاص.
وقوله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) معناه : لا تبطئا وتضعفا ؛ تقول : ونى فلان في كذا ، إذا تباطأ فيه عن ضعف ، والوني : الكلال ، والفشل في البهائم والإنس.
وفي مصحف ابن مسعود (٣) : «ولا تهنا في ذكري» معناه : لا تلينا ؛ من قولك : هيّن لين. (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي : حسّنا له الكلمة مع إكمال الدّعوة.
قال ابن العربي (٤) في «أحكامه» : وفي الآية دليل على جواز الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر باللّين لمن معه القوّة ، وفي الإسرائيليات : أنّ موسى عليهالسلام أقام بباب فرعون سنة لا يجد من يبلغ كلامه حتّى لقيه حين خرج ، فجرى له ما قصّ الله تعالى علينا من خبره ؛ وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين. انتهى.
وقولهما : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ) معناه : يعجل ، ويتسرع إلينا بمكروه.
وقوله عزوجل (إِنَّنِي مَعَكُما) أي بالنّصر والمعونة.
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٢٧) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢٠)
(٢) تقدم تخريجه في سورة البقرة.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٥) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٣٠)
(٤) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٢٦٠)