ويعود عليه بفضله فيقول : نسي تقريبا ، ولا يجوز لأحد منّا أن يطلق ذلك على آدم ، أو يذكره إلّا في تلاوة القرآن أو قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم. انتهى من «الأحكام».
(إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١١٩)
وقوله سبحانه : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) المعنى : إنّ لك يا آدم في الجنة نعمة تامة ، لا يصيبك جوع ، ولا عري ، ولا ظمأ / ، ولا بروز للشمس يؤذيك ، وهو الضحاء.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧)
وقوله : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ) ص : عدّي هنا ب «إلى» على معنى أنهى الوسوسة إليه ، وفي «الأعراف» باللام ، فقال أبو البقاء : لأنه بمعنى ذكر لهما. انتهى.
ثم أعلمهم سبحانه : أن من اتّبع هداه فلا يضلّ في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وأنّ من أعرض عن ذكر الله ، وكفر به ؛ فإنّ له معيشة ضنكا ، و «الضنك» : النكد الشاقّ من العيش والمنازل ، ونحو ذلك.
وهل هذه المعيشة الضنك تكون في الدنيا ، أو في البرزخ ، أو في الآخرة؟ أقوال.
ت : ويحتمل في الجميع ، قال القرطبي : قال أبو سعيد الخدريّ ، وابن مسعود : ضنكا : عذاب القبر (١) ، وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أتدرون فيمن نزلت هذه الآية : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)» أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : عذاب الكافر في القبر ؛ والّذي نفسي بيده ، إنّه ليسلّط عليه تسعة وتسعون تنّينا ـ وهي الحيّات ـ لكلّ حيّة تسعة رؤوس ، ينفخن في جسمه ، ويلسعنه
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٨ / ٤٧٢) رقم (٢٤٤٢٤) ، وذكره البغوي (٣ / ٢٣٥) ، والسيوطي (٤ / ٥٥٧) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، والبيهقي عن ابن مسعود.