ثم ذكر بقية التوجيه وهو واضح لا نطيل بسرده.
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٧٠)
وقوله سبحانه : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) ، أي : في توقيف هذا الرجل على هذا الفعل وأنتم معكم من تسألون ثم رأوا ببديهة العقل أنّ الأصنام لا تنطق ، فقالوا لإبراهيم حين نكسوا في حيرتهم : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) ، فوجد إبراهيم عليهالسلام عند هذه المقالة موضع الحجّة ووقفهم موبّخا لهم بقوله : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً ...) الآية. ثم حقّر شأنهم وشأنها بقوله : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) الآية.
ص (١) : وقولهم : (لَقَدْ عَلِمْتَ) : جواب قسم محذوف معمول لقول محذوف في موضع الحال ، أي : قائلين ، لقد علمت. انتهى.
وقال الثعلبي : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) أي : تفكروا بعقولهم فقالوا : ما نراه إلّا كما قال ، إنكم أنتم الظالمون في عبادتكم الأصنام الصغار مع هذا الكبير. ا ه.
وما قدمناه عن ع (٢) هو الأوجه و (أُفٍ) لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء ، ويستعار ذلك للمستقبح من المعاني ، ثم أخذتهم العزّة بالإثم وانصرفوا إلى طريق الغلبة والغشم ، فقالوا : (حَرِّقُوهُ) ؛ روي : أنّ قائل هذه المقالة هو رجل من الأكراد من أعراب فارس ، أي : من باديتها ، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، وروي : أنه لما أجمع رأيهم على تحريقه حبسه نمرود الملك (لعنه الله) وأمر بجمع
__________________
(١) [هذه الجملة جواب قسم محذوف والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر وذلك القول المضمر حال من مرفوع نكسوا أي نكسوا قائلين والله لقد علمت قوله : «ما هؤلاء ينطقون» يجوز أن تكون ما هذه مجازية فتكون هؤلاء اسمها وينطقون في محل نصب خبرها أو تميمية فلا علم لها والجملة المنفية بأسرها سادة مسد المفعولين إن كانت «علمت» على بابها ومسد واحد إن كانت عرفانية].
ينظر : «الدر المصون» (٥ / ٩٨)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٨٨)