في إهلاك مال أيوب ، وفي إهلاك بنيه وقرابته ، ففعل ذلك أجمع ، والله أعلم بصحة ذلك ، ولو صحّ لوجب تأويله.
وقوله سبحانه : (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) ، أي : وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد الله إلّا مؤمن.
(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨)
وقوله سبحانه : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ) المعنى : واذكر إسماعيل ، وقوله سبحانه : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) التقدير واذكر ذا النون ، قال السهيليّ : لما ذكر الله تعالى يونس هنا في معرض الثناء ، قال : (وَذَا النُّونِ) ، وقال في الآية الأخرى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٤٨] / والمعنى واحد ، ولكن بين اللفظين تفاوت كثير في حسن الإشارة إلى الحالتين ، وتنزيل الكلام في الموضعين والإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب ؛ لأنّ قولك (١) : ذو يضاف بها إلى التابع ، وصاحب يضاف بها إلى المتبوع. انتهى.
والنون : الحوت ، والصاحب : يونس بن متى ـ عليهالسلام ـ وهو نبيّ من أهل نينوى.
وقوله : (مُغاضِباً) قيل : إنّه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنّتهم ، فذهب فارّا بنفسه ، وقد كان الله تعالى أمره بملازمتهم والصبر على دعائهم ، فكان ذلك ذنبه ، أي : في خروجه عن قومه بغير إذن ربه.
قال عياض : والصحيح في قوله تعالى : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أنّه مغاضب لقومه ؛ لكفرهم ، وهو قول ابن عباس ، والضحّاك (٢) وغيرهما ، لا لربه ؛ إذ مغاضبة الله تعالى معاداة له ، ومعاداة الله كفر لا يليق بالمؤمنين ، فكيف بالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ؟! وفرار
__________________
(١) في ج : قوله وذا.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٧٣) برقم (٢٤٧٤٩) عن ابن عباس ، (٢٤٧٥٠) عن الضحاك ، وذكره السيوطي (٤ / ٥٩٧) وعزاه للبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس ، وعزاه أيضا لابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الضحاك.