المعنى : مالك الأمر في يوم الدين.
معنى الآيات : الثناء والشكر لله ـ دون ما يعبد من دونه ـ بما أنعم على عباده من الخلق والرزق وسلامة الجوارح ، وهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.
ويجوز أن يراد من الرب أيّ معنى من معانيه الثلاثة المتقدمة. فهو السيد الذي لا يبلغ سؤدده أحد ، والمصلح أمر خلقه بما أودع في هذا العالم من نظام يرجع كلّه بالمصلحة على عالم الحيوان والنبات. فمن شمس لولاها ما وجدت حياة ولا موت ، ومن مياه بها حياة الحيوان والنبات ، ومن أعضاء للغداء الذي به قوام الفرد ، وأخرى للتناسل الذي به قوام النوع ، وأخرى للسمع والأبصار ، ومعنى ملك يوم الدين (٤) أن لله الملك خالصا يوم الدين دون هؤلاء الملوك الجبابرة الذين كانوا ينازعونه العزة والجبروت في الدنيا ، كما قال تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)) [غافر : ١٦].
وأما تأويل قراءة ملك يوم الدين (٤) فكما قال ابن عباس : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨](وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) [طه : ١٠٨].
وقد يخطر سؤال عند قراءة الفاتحة ، وهو : أحمد الله نفسه؟ وأثنى عليها؟ وعلّمنا ذلك؟ أم ذلك من قبل النبي صلىاللهعليهوسلم أو جبريل؟ فإن كان الأول ، فما معنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) والله معبود لا عابد؟ فإن كان الثاني فقد بطل أن تكون الفاتحة كلام الله ، والجواب : أن الفاتحة من كلام الله ، وهي على معنى قولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ ...) وقولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...). فإن قيل : وأين قوله قولوا؟ قيل : إن العرب من شأنها إذا عرف السامع مكان الكلمة حذفها. واكتفت بدلالة ما ظهر من منطقها على ما حذف ، كقوله :
وأعلم أنني سأكون رمسا |
|
إذا سار النواعج (١) لا يسير |
فقال السائلون : لمن حفرتم؟ |
|
فقال المخبرون لهم : وزير |
أي الميت وزير ، فأسقط الميت إذ قد أتى الكلام بما يدل عليه. وإنما قال : الحمد لله دون أحمد الله أو حمدا لله ، لأنه لو قال ذلك لدل على حمد التالي لله ، مع أن الغرض أن جميع المحامد والشكر الكامل لله ، وهذا هو ما يؤديه الحمد لله.
وقال صاحب «الكشاف» (٢) : عدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء ، مع
__________________
(١) الخفاف من الإبل ، انظر لسان العرب لابن منظور (٢ / ٣٨٠).
(٢) محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، ولد بزمخشر توفي سنة (٥٣٨ ه) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (٢٠ / ١١٥) ترجمة (٩١).