وإذا كان الأمر كذلك فلا جرم إن كان ذكر هذا المعنى سببا في زيادة الشفقة والحنوّ على اليتامى والنساء وذوي الأرحام.
والمراد من النفس الواحدة آدم عليهالسلام ، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين أنه ليس سوى آدم واحد ، وهو أبو البشر ، والمراد من الزوج حوّاء ، وقد خلقت من ضلع آدم عليهالسلام ، وأنكر أبو مسلم خلقها من الضلع ، لأنه سبحانه وتعالى قادر على خلقها من التراب ، فأي فائدة في خلقها من الضلع ، وزعم أنّ معنى (مِنْها) من جنسها ، على حد قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الشورى : ١١] وهو باطل ، إذ لو كان الأمر كما قال. لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة ، وهو خلاف النص.
وهو أيضا خلاف ما نطقت به الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، روى الشيخان : «استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهنّ خلقن من ضلع ، وإنّ أعوج شيء من الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنّساء خيرا» (١) وقدرة الله على خلق حواء من تراب لا تمنع عن خلقها من غيره. فقد خلق الناس بعضهم من بعض ، مع القدرة على خلقهم كآدم من تراب ، ولعلّ الفائدة في خلق حواء من ضلع آدم ـ سوى الحكمة التي خفيت علينا ـ إظهار أنه سبحانه قادر على أن يخلق حيا من حي ، لا على سبيل التوالد ، كما أنه قادر على أن يخلق حيا من جماد كذلك ، والله أعلم.
ثم أكد الله الأمر بالتقوى ، وكرّره بقوله جل شأنه : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) وفي تعليق الحكم بما في حيز الصلة إشارة إلى نوع آخر من موجبات الامتثال ، فإنّ قول الرجل لصاحبه أسألك بالله على سبيل الاستعطاف يقتضي الاتقاء والحذر من مخالفة أوامره ونواهيه.
قرأ غير حمزة من السبعة (وَالْأَرْحامَ) بالنصب ، والمعنى على هذه القراءة ، واتقوا الله تعالى واتقوا الأرحام وصلوها ولا تقطعوها ، فإن قطعها مما يجب أن يتّقى.
وقرأ حمزة (وَالْأَرْحامَ) بالجر ، وخرّجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور ، والعطف على الضمير المجرور دون إعادة الجارّ أجازه جماعة من النحاة وأنشد سيبويه في ذلك :
فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيام من عجب |
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ١٧٨) ، ٦٧ ـ كتاب النكاح ، ٨١ ـ باب الوصاة بالنساء حديث رقم (٥١٨٦) ، ومسلم في الصحيح (٢ / ١٠٩١) ، ١٧ ـ كتاب الرضاع ، ١٨ ـ باب الوصية بالنساء حديث رقم (٦٥ / ١٤٦٨).