(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) في موضع التعليل للأمر ووجوب الامتثال يؤخذ من هذه الآية جواز المسألة بالله تعالى ، وقد روى الليث عن مجاهد عن ابن عمر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سأل بالله فأعطوه وإن شئتم فدعوه».
ويؤخذ منها أيضا تعظيم حقّ الرّحم ، وتأكيد النهي عن قطعها ، إذ قرن الله الأرحام باسمه سبحانه ، وقال في موضع آخر : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)) [محمد : ٢٢] فقرن قطع الرحم إلى الفساد في الأرض ، وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى خلق الخلق حتّى إذا فرغ منهم ، قامت الرّحم ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم ، أما ترضين أنّ أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك» (١).
وتدل الآية أيضا على تقدير التساؤل بالأرحام ، لا سيما على قراءة حمزة : واعترض على ذلك ابن عطية ، وزعم أن الحديث الصحيح يردّه ، فقد أخرج الشيخان عنه صلىاللهعليهوسلم : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (٢) وأنت تعلم أنّ قول الرجل لصاحبه : أسألك بالرحم أن تفعل كذا ، ليس الغرض منه سوى الاستعطاف والتأكيد ، فهو إذا ليس بيمين ، فلا يكون من متعلّق النهي الذي تضمّنه الأمر «فليحلف بالله» في شيء.
قال الله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢))
هذا شروع في تفصيل ما تجب تقوى الله فيه ، والخطاب للأوصياء ، ما دام المال بأيديهم ، واليتامى في حجورهم ، واليتيم من الإنسان من مات أبوه ، من اليتم وهو الانفراد ، والاشتقاق يقتضي صحة إطلاقه على الصغار والكبار ، لكنّ الشرع والعرف خصصاه بالصغار ، روى علي كرم الله وجهه وجابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يتم بعد احتلام» (٣).
لا خلاف بين أهل العلم في أنّ اليتيم لا يعطى ماله قبل البلوغ ، لكنّ ظاهر قوله
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٧ / ٩٦) ، ٧٨ ـ كتاب الأدب ، ١٣ ـ باب من وصل وصله الله حديث رقم (٥٩٨٧) ، ومسلم في الصحيح (٤ / ١٩٨١) ، ٤٥ ـ كتاب البر ، ٦ ـ باب صلة الرحم حديث رقم (١٦ / ٢٥٥٤).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٢١٦) ، ٥٢ ـ كتاب الشهادات ، ٢٦ ـ باب كيف يستحلف حديث رقم (٢٦٧٩) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٦٧) ، ٢٧ ـ كتاب الأيمان ، ١ ـ باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى حديث رقم (٣ / ١٦٤٦).
(٣) رواه أبو داود في السنن (٣ / ٣٧) ، كتاب الوصايا ، باب ما جاء متى ينقطع اليتم حديث رقم (٢٨٧٣).