(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٣٥]
ما طاب : ما مالت إليه نفوسكم واستطابته.
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) تأويلات منها : ما رواه البخاريّ ومسلم والنسائي والبيهقي في «سننه» وغيرهم عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها ، عن هذه الآية فقالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليّها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصّداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ (١).
وفي بعض الروايات (٢) هذه الزيادة : قالت عائشة رضي الله عنها : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] قالت : وقوله تعالى : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) المراد منه هذه الآية : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).
والمعنى على هذه الرواية : وإن علمتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى اللاتي تلونهنّ ، فانكحوا ما مالت إليه نفوسكم من النساء غيرهنّ.
والمقصود في الحقيقة النهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل ، إلا أنه أوثر التعبير عنه بالأمر بنكاح الأجنبيات كراهة النهي الصريح عن نكاح اليتيمات ، ولما فيه من مزيد اللطف في صرف المخاطبين عن نكاح اليتامى حال العلم بعدم العدل ، فكأنه قيل : وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فلا تنكحوهن ، ولكم في غيرهن من النساء متسع ، فانكحوا ما طاب لكم.
ومنها أنه لما نزلت آية (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) تحرّج الأولياء من ولايتهم ، مع أنّهم كانوا لا يتحرّجون من ترك العدل في حقوق النساء ، حيث إن تحت الرجل عشر منهن لا يعدل بينهن ؛ فقيل لهم : إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم ، فخافوا أيضا ترك العدل بين النساء ، وقلّلوا عدد المنكوحات منهن ، لأنّ من تحرّج من ذنب وهو مرتكب مثله فهو غير متحرج.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ٢٠٩) ، ٦٥ ـ كتاب تفسير القرآن ، ١ ـ باب (إن خفتم) حديث رقم (٤٥٧٤) ، ومسلم في الصحيح (٤ / ٢٣١٣) ، ٥٤ ـ كتاب التفسير حديث رقم (٦ / ٣٠١٨).
(٢) انظر تخريج الحديث السابق نفسه.