وقع ، وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء الشّذاذ المخالفين.
وتمسّك الإمام مالك بظاهر هذه الآية في مشروعية نكاح الأربع للأحرار والعبيد ، فالعبيد داخلون في الخطاب بقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) إلخ. فيجوز لهم أن ينكحوا أربعا كالأحرار ، ولا يتوقف نكاحهم على الإذن ، لأنهم يملكون الطلاق ، فيملكون النكاح.
وذهب الحنفية والشافعية إلى أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين ، لما روى الليث عن الحكم قال : أجمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين ، قالوا : والخطاب في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) لا يتناول العبيد ، لأنه إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها ، والعبد ليس كذلك ، لأنه لا يجوز نكاحه إلا بإذن مولاه ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (١) ، ولأن في تنفيذ نكاحه تعييبا له ، فلا يملكه دون إذن المولى.
وأيضا قوله تعالى بعد : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) لا يمكن أن يدخل فيه العبيد ، لعدم الملك ، فحيث لم يدخلوا في هذا الخطاب لم يدخلوا في الخطاب الأول ، لأن هذه الخطابات وردت متتالية على نسق واحد ، فبعيد أن يدخل في الخطاب السابق ما لا يدخل في اللاحق.
وكذلك لا يمكن دخولهم في قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النساء : ٤] والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر ، بل يكون لسيده فيكون الآكل السيّد لا العبد.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) المراد بالعدل هنا العدل بين الزوجات المتعددات ، كما صرّح بذلك في قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء : ١٢٩] كأن الله تعالى لما وسّع عليهم بقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أنبأهم أنه قد يلزم من الاتساع خوف الميل ، فالواجب حينئذ أن يحترزوا بالتقليل ، فيقتصروا على الواحدة ، والمعنى : فإن خفتم ألا تعدلوا بين النساء المتعددات في عصمتكم ، كما خفتموه في حق اليتامى ، فاختاروا أو فالزموا واحدة ، أو أي عدد شئتم من السراري من غير حصر ، لقلّة تبعتهنّ ، وخفّة مؤونتهنّ ، وعدم وجوب القسم فيهنّ.
وعلى هذا التأويل : يكون المراد من اختيار الإماء اختيارهن بطريق التسرّي ، لا
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ١٩٠) ، كتاب النكاح حديث رقم (٢٠٧٨) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٤١٩) ، كتاب النكاح حديث رقم (١١١١).