تغيير الأحوال ، إذ الطفل يميّز بعدها ، ويؤمر بالصلاة كما في الحديث (١) ، وبانضمامها إلى سن البلوغ يكمل لبّه ، ويبلغ أشدّه ، ألا ترى أنه قد يصير جدا صحيحا في هذه السن ، فإذا بلغ هذه السن ، ولم يتأدب : انقطع عنه الرجاء غالبا.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
الإسراف : مجاوزة الحدّ المباح إلى ما لم يبح.
والبدار : المسارعة ، والمفاعلة بمعنى أصل الفعل ، أو على أنها بأن يبادر الولي أخذ مال اليتيم ، واليتيم يبادر نزعه.
كبر : يكبر كعلم يعلم ، يستعمل في السن ، وكبر يكبر كعظم يعظم في القدر والشرف.
واستعف عن الشيء كف عنه ، وتركه ، وهو أبلغ من عف ، كأنه طلب زيادة العفة.
المعنى : أن الله ينهى الأولياء والأوصياء أن يأكلوا أموال اليتامى مسرفين ومبادرين كبرهم ، ويرشدهم إلى أنّ من كان منهم ذا مال فليكفّ نفسه عن مال اليتيم ، ولينتفع بما آتاه الله ، ومن كان منهم فقيرا فليأكل من مال اليتيم بقدر حاجته الضرورية ، من سد الجوعة ، وستر العورة.
وجملة : (وَلا تَأْكُلُوها) إلخ ، معطوفة على جملة (وَابْتَلُوا الْيَتامى) ولا يصح عطفها على جواب الشرط قبلها ، لفساد المعنى ، لأنّ جواب الشرط وهو (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) يكون بعد البلوغ ، والأكل إسرافا وبدارا أن يكبروا يكون قبل البلوغ ، والنهي عن الأكل ـ الذي هو أساس الانتفاع ، وتكثر الحاجة إليه ـ يدلّ على أن غيره من سائر الانتفاعات منهيّ عنه بطريق الأولى.
وقد استدلّ الجصاص بقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) على أنه لا يجوز للولي إمساك مال اليتيم بعد ما يصير في حد الكبر ، قال : ولو لا ذلك لما كان لذكر الكبر هاهنا معنى ، إذ كان الولي عليه هو المستحق لماله قبل الكبر وبعده ، فهذا يدلّ على أنه إذا صار في حد الكبر استحق دفع المال إليه.
وجعل أبو حنيفة حد الكبر في ذلك خمسا وعشرين سنة ، لأنّ مثله يكون جدا ، ومحال أن يكون جدا ولا يكون في حد الكبار.
ويقول الشافعية : إنّ المراد من قوله : (أَنْ يَكْبَرُوا) أن يبلغوا راشدين ، عملا بقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) وعبّر عن ذلك بالكبر لأنّ الغالب أنّ من بلغ حدّ الرجال كان رشيدا.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ١٩٧) ، كتاب الصلاة ، باب متى يؤمر الفلاح حديث رقم (٤٩٤) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٢ / ٢٥٩) ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء متى يؤمر الصبي حديث رقم (٤٠٧).