وسائر المحرمات في الكتاب لا يجوز الاتجار فيها ، لأنّ إطلاق لفظ التحريم يقتضي أنّ سائر وجوه الانتفاع محرّمة ، ولأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل النهي عن الشحوم نهيا عن أكل ثمنها ، ففي الحديث : «لعن الله اليهود حرّم عليهم الشحوم فباعوها ، فأكلوا ثمنها» (١).
ونهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بيع المنابذة ، والملامسة (٢) ، وبيع الحصاة وبيع الغرر ، (٣) وبيع العبد الآبق (٤) ، وبيع ما لم يقبض (٥) ، وبيع ما ليس عند الإنسان (٦) ، ونحوها من البيوعات المجهولة والمعقودة على غرر. كل ذلك ونحوه مخصوص من ظاهر قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).
وظاهر الآية يشهد للحنفية والمالكية ومن نفى خيار المجلس ، لأنّ الآية تقتضي حلّ التصرف في المبيع بوقوع البيع عن تراض ، سواء تفرّق المتبايعان أم لم يتفرقا ، فإنّ الذي يسمى تجارة في عقد البيع إنما هو الإيجاب والقبول. وليس التفرّق والاجتماع من التجارة في شيء.
والقائلون بخيار المجلس ومنهم الشافعي والثوري والليث وغيرهم يقولون : إن الآية مخصوصة بما رواه البخاري (٧) وغيره من قوله صلىاللهعليهوسلم : «البيّعان كلّ واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا ، إلا بيع الخيار» كما خصصت بأحاديث النهي عن البيوع الباطلة ، فيما تقدم.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٥٧) ، ٣٤ ـ كتاب البيوع ، ١١٢ ـ باب بيع الميتة حديث رقم (٢٢٣٦) (بلفظ مختلف) ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٠٧) ، ٢٢ ـ كتاب المساقاة ، ١٣ ـ باب تحريم الخمر والميتة حديث رقم (٧١ / ١٥٨١) (بلفظ مختلف).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٣٤) ، ٣٤ ـ كتاب البيوع ، ٦٣ ـ باب بيع المنابذة حديث رقم (٢١٤٦) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١١٥١) ، ٢١ ـ كتاب البيوع ، ١ ـ باب إبطال بيع الملامسة حديث رقم (١ / ١٥١١).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١١٥٣) ، ٢١ ـ كتاب البيوع ، ٢ ـ باب بطلان بيع الحصاة حديث رقم (١٥١٣).
(٤) رواه ابن ماجه (٢ / ٧٤٠) ، كتاب التجارات ، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام حديث رقم (٢١٩٦).
(٥) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١١٥٩) ، ٢١ ـ كتاب البيوع ، ٨ ـ باب بطلان بيع المبيع قبل القبض حديث رقم (٢٩ / ١٥٢٥).
(٦) رواه ابن ماجه في السنن (٢ / ٧٣٧) ، كتاب التجارات ، باب النهي عن بيع ما ليس عندك حديث رقم (٢١٨٧).
(٧) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٢٤) ، ٣٤ ـ كتاب البيوع ، ٤٤ ـ باب البيعان بالخيار حديث رقم (٢١١١) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١١٦٣) ، ٢١ ـ كتاب البيوع ، ١٠ ـ باب ثبوت خيار المجلس حديث رقم (٤٣ / ١٥٣١).