(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) لما كان المال شقيق الروح من حيث إنه سبب قوامها ، وبه صلاحها ، حسن الجمع بين التوصية بحفظ المال ، والتوصية بحفظ النفس.
وظاهر قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النهي عن أن يقتل المؤمن نفسه ، وعلى هذا الظاهر اقتصر البلخي فقال : المراد النهي عن قتل الإنسان نفسه في حال غضب أو ضجر.
ونظير ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم» (١).
ولكن جمهور المفسرين على أن المعنى : لا يقتل بعضكم بعضا ، وإنما قال : (أَنْفُسَكُمْ) مبالغة في الزجر ، وقد ورد في الحديث : «المؤمنون كالنفس الواحدة» (٢) ولأنّ العرب يقولون : قتلنا ورب الكعبة إذا قتل بعضهم ، لأن قتل بعضهم يجري مجرى قتلهم.
وأنكر بعض الناس قول البلخي ، وقال : إن المؤمن مع إيمانه لا يجوز أن ينهى عن قتل نفسه ، لأنه ملجأ إلى ألا يقتل نفسه ، وذلك لأنّ الصارف عنه في الدنيا قائم ، وهو الألم الشديد والذم العظيم ، والصارف عنه أيضا في الآخرة قائم ، وهو استحقاق العذاب الشديد.
وإذا كان الصارف خالصا امتنع منه أن يقتل نفسه ، وإذا كان كذلك لم يكن للنهي عنه فائدة.
وهذا غير سديد ، لأنّ قتل النفس ما لم ينه عنه لا يعلم أنه يوجب العذاب الأليم في الآخرة ، وربما تخيّل الإنسان أن نفسه ملكه ، فإذا بخع نفسه فلا عقوبة عليه ، إذ هو لم يعتد على غيره.
وكم من مؤمن بالله واليوم الآخر يلحقه من الغم والأذية ما يظنّ معه أن القتل عليه أسهل ، وإذا كان كذلك كان في النهي عن قتل الإنسان نفسه فائدة أي فائدة ، لا سيما في عصرنا الحاضر ، حيث ضعف إيمان الناس ، وغلب عليهم حبّ الدنيا ، واستهوتهم الشهوات ، وسرت إليهم عدوى الانتحار ، فترى الواحد منهم يفضّل أن يقتل نفسه لدريهمات خسرها في تجارته ، أو لخلاف بينه وبين زوجته ، أو لضيق ذات
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٧ / ٤١) ، ٧٦ ـ كتاب الطب ، ٥٦ ـ باب شرب السم حديث رقم (٥٧٧٨) ، ومسلم في الصحيح (١ / ١٠٣) ، ١٥ ـ كتاب الإيمان ، ٤٧ ـ باب غلظ تحريم الإنسان نفسه حديث رقم (١٧٥ / ١٠٩).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ٢٠٠) ، ٤٥ ـ كتاب الصلة ، ١٧ ـ باب تراحم المؤمنين حديث رقم (٦٧ / ٢٥٨٦) (بلفظ مختلف).