يده ؛ أو لأنّ فلانا رفض خطبته ؛ أو ما أشبه ذلك من توافه الأمور.
ولا مانع من أن تكون الآية نهيا عن قتل أنفسهم ، وعن قتل بعضهم بعضا ، وعما يؤدي إلى ذلك : كتناول المخدرات ، واستعمال السموم الضارة بالجسم ، والمجازفة فيما يخشى منه الهلاك.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود (١) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : لما بعثني النبي صلىاللهعليهوسلم عام ذات السلاسل احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، قال : فلما قدمنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر ذلك له ، فقال : «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب»؟
قلت : نعم يا رسول الله ، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، وذكرت قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) الآية فتيممت ، ثم صليت ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقل شيئا.
ففهم عمرو رضي الله عنه أنّ الآية تتناول بعمومها مثل حالته ، وأقره النبي صلىاللهعليهوسلم على ذلك.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) تعليل للنهي ، أي إنما ينهاكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس ، لأنه لم يزل بكم رحيما.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠)).
المشار إليه أقرب مذكور ، وهو قتل النفس. روي ذلك عن عطاء ، وقيل : هو وما قبله.
وقيل : مجموع ما تقدم من المحرّمات من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) [النساء : ١٩] إلى هنا ، وقيل : من أول السورة إلى هنا.
والعدوان : الإفراط في مجاوزة الحد ، وأصل الظلم النقص والجور ومجاوزة الحد ، فقيل : المراد بالظلم هنا قصد التعدي على حدود الله ، وهو كفر.
وقيل المراد : بالعدوان والظلم معنى واحد ، ودفع التكرار بأن المراد بالعدوان التعدي على الغير ، وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب.
والمعنى : أن من يفعل ذلك المحرم حال كونه ذا عدوان وظلم عاقبه الله على ذلك في الآخرة بإدخاله نارا شديدة الإحراق ، وإدخاله النار أمر هيّن على الله ، لا يمنعه منه مانع.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ١٤٠) ، كتاب الطهارة ، باب إذا خاف الجنب حديث رقم (٣٣٤) ، وأحمد في المسند (٤ / ٢٠٣).