قال الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))
واجتناب الشيء تركه والابتعاد عنه ، كأنه ترك جانبه وناحيته.
والتكفير الغفر والمحو.
والمراد بالسيئات : الصغائر لوقوعها في مقابلة الكبائر.
والمدخل الكريم : الجنة.
واختلف العلماء في الذنوب أهي متفاوتة ، فيها كبائر وفيها صغائر ، أم لا؟ فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّ كل شيء عصي الله به فهو كبيرة. وهذا القول ضعيف ، لأن هذه الآية قد فصلت بين الكبائر وما يكفّر باجتناب الكبائر. فلو كانت الذنوب بأسرها كبائر لم يصح هذا الفصل.
والجمهور على أن الذنوب متفاوتة منقسمة إلى كبائر وصغائر ، قال العلامة ابن حجر الهيتمي : إنه لا خلاف بين الفريقين في المعنى ، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق ، لإجماع الكل على أنّ من المعاصي ما يقدح في العدالة ، ومنها ما لا يقدح فيها ، وإنما الأولون فروا من التسمية ، فكرهوا تسمية معصية الله تعالى صغيرة نظرا إلى عظمة الله تعالى ، وشدة عقابه ، وإجلاله عن تسمية معصيته صغيرة ، لأنها إلى باهر عظمته كبيرة أيّ كبيرة ، ولم ينظر الجمهور إلى ذلك ، لأنه معلوم ، بل قسّموها إلى قسمين كما تقتضيه صرائح الآيات والأخبار ، ولا سيما هذه الآية اه.
والقائلون بانقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر فريقان :
فريق يقول : الكبيرة تتميز عن الصغيرة في نفسها وذاتها.
وفريق يقول : هذا الامتياز إنما يكون بحسب حال فاعليها ، فربّ ذنب يكون صغيرة بالنسبة لشخص وكبيرة بالنسبة لآخر ، ولذلك قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والذين ذهبوا إلى أنّ الكبيرة تمتاز في نفسها عن الصغيرة اختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافا شديدا ، فمنهم من ضبطها بالعد ، ومنهم من ضبطها بالحد.
فقيل في عدها عن ابن عباس في إحدى الروايات : إنّها ما ذكره الله من أول هذه السورة إلى هنا ، وقيل : هي سبع كما في «الصحيحين» (١) «اجتنبوا السبع الموبقات».
«الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ،
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٢٥٦) ، كتاب الوصايا ، ٢ ـ باب قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) حديث رقم (٢٧٦٦) ، ومسلم في الصحيح (١ / ٩٢) ، ١ ـ كتاب الإيمان ، ٣٨ ـ باب بيان الكبائر حديث رقم (١٤٥ / ٨٩).