(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ).
هذا هو القسم الثاني من قسمي النساء اللاتي جعل الله للرجال حق القيام عليهن ، كما سبق ، وهو خطاب للأزواج ، وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن.
وأصل الخوف فزع القلب عند الشعور بحدوث أمر مكروه في المستقبل ، وقد يتوسع فيه ، فيستعمل بمعنى العلم ، لأنّ خوف الشيء إنما يكون للعلم بموقعه ، وقد علمت أنّ النشوز هو العصيان ، وظاهر الآية ترتب العقوبات المذكورة على خوف النشوز ، وإن لم يقع النشوز بالفعل ، وهو بعيد ، لذلك أوّل العلماء هذه الآية عدة تأويلات ، فمنهم من فسّر الخوف بالعلم ، ومنهم من قدر مضافا : تخافون دوام نشوزهن ، أو أقصى مراتب نشوزهن.
ومنهم من قدر معطوفا محذوفا : تخافون نشوزهن ونشزن.
ومنهم من أبقى الخوف على أصله ، وجعل جزاءه الوعظ فقط ، تخافون نشوزهن بظهور أماراته ، كخشونة بعد لين ، وتعبيس بعد طلاقة ، وإدبار بعد إقبال ، ومتى ظهرت هذه الأمارات كان للزوج أن يعظها فقط ، ويخوّفها عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة ، فإن لم تمتثل كان ذلك نشوزا محققا ، وله فيه الوعظ والهجران والضرب.
والمراد بالوعظ أن يقول لها مثلا : اتقي الله! فإنّ لي عليك حقا ، وارجعي عما أنت عليه ، واعلمي أن طاعتي فرض عليك ونحو ذلك.
واختلفوا في معنى الهجران في المضاجع ، فقيل : إنه كناية عن ترك جماعهن ، وقيل : المراد تركهنّ منفردات في حجرهنّ ومحل مبيتهن ، فيكون في ذلك ترك جماعهن وترك مكالمتهن ، ولا يزيد في هجر الكلام عن ثلاثة أيام.
وفسر العلماء الضرب المباح بأنه الضرب غير المبرح ، أخرج الجصاص (١) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه خطب بعرفات في بطن الوادي فقال : «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ، وأن لكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
وأخرج ابن جرير (٢) نحوه ، وروى ابن جريج عن عطاء قال : الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه ، ومثله عن ابن عباس ، وقال سعيد عن قتادة : ضربا غير شائن (٣).
__________________
(١) أخرجه الإمام أبو بكر الجصاص في كتابه أحكام القرآن (٢ / ١٨٩).
(٢) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ٤٤).
(٣) المرجع نفسه (٥ / ٤٤).