وقال العلماء : ينبغي ألا يوالي الضرب في محل واحد ، وأن يتقي الوجه فإنه مجمع المحاسن ، ولا يضربها بسوط ولا بعصا ، وأن يراعي التخفيف في هذا التأديب على أبلغ الوجوه.
ومع أنّ الضرب مباح فقد اتفق العلماء على أنّ تركه أفضل. أخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنه قالت : كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ، ثم شكوهنّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخلى بينهم وبين ضربهن ، ثم قال : «ولن يضرب خياركم» (١).
وروي نحوه عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفيه : «ولا تجدون أولئكم خياركم» (٢) ومعناه أن الذين يضربون أزواجهم ليسوا خيرا ممن لم يضربوا ، فدل الحديث على أن الأولى ترك الضرب.
واختلف العلماء في هذه العقوبات أهي مشروعة على الترتيب أم لا؟ ومنشأ الخلاف اختلافهم في فهم الآية ، فمن رأى عدم الترتيب يقول : الواو لا تقتضيه ، والفاء في قوله : (فَعِظُوهُنَ) لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع على النشوز ، فله أن يقتصر على إحدى العقوبات أيا كانت ، وله أن يجمع من غير ترتيب بينها.
ومن ذهب إلى وجوب الترتيب يرى أن ظاهر اللفظ وإن دلّ على مطلق الجمع ، فإنّ فحوى الآية تدل على الترتيب ، إذ الواو داخلة على جزاءات مختلفة متفاوتة واردة على سبيل التدرج من الضعيف إلى القوي إلى الأقوى ، فإنّه تعالى ابتدأ بالوعظ ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع ، ثم ترقى منه إلى الضرب ، وذلك جار مجرى التصريح بأنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به ، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشد.
وروي عن علي رضي الله عنه ما يؤيد ذلك فإنه قال : يعظها بلسانه ، فإن انتهت فلا سبيل له عليها ، فإن أبت هجر مضجعها ، فإن أبت ضربها ، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين.
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً).
تبغوا : تطلبوا ، أي : فإن رجعن إلى طاعتكم بعد هذا التأديب فلا تطلبوا سبيلا وطريقا إلى التعدّي عليهن. أو : فلا تظلموهن بطريق من طرق التعذيب والتأديب.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) قيل : المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النساء ، والمعنى أنه تعالى قاهر كبير قادر ينتصف لهن ، ويستوفي حقهن ، فلا ينبغي أن تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن ، وأكبر درجة.
__________________
(١ و ٢) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٢ / ١٥٥).