وقيل : المقصود منه حثّ الأزواج ، وبعثهم على قبول توبة النساء ، والمعنى : أنه تعالى مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب ، بل يغفر له ، فإذا تابت المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تقبلوا توبتها ، وتتركوا معاقبتها.
قال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))
المراد بالخوف هنا : العلم.
والشقاق : الخلاف والعداوة ، وأصله من الشق ، وهو الجانب ، لأنّ كلّا من المتخالفين يكون في شق غير شق الآخر.
و (بين) من الظروف المكانية غير المتصرفة ، وإضافة الشقاق إليها توسّع ، والأصل شقاقا بينهما ، فللملابسة بين الظرف والمظروف نزّل الظرف منزلة الفاعل أو المفعول ، وشبه بأحدهما ثم عومل معاملته في الإضافة إليه ، فقيل (شِقاقَ بَيْنِهِما).
وقيل : الإضافة بمعنى (في) والضمير في (بينهما) للزوجين لدلالة النشوز ـ وهو عصيان المرأة زوجها ـ عليهما.
والخطاب هنا للحكام ، فإنه تعالى لما ذكر نشوز المرأة ، وأنّ للزوج أن يعظها ، ويهجرها في المضجع ، ويضربها ، بيّن أنه لم يبق بعد الضرب إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم منهما ، ويتوجه حكمه عليهما.
وظاهر الأمر في قوله تعالى : (فَابْعَثُوا) أنه للوجوب ، وبه قال الشافعي ، لأنه من باب رفع الظلامات ، وهو من الفروض العامة والمتأكدة على القاضي.
وظاهر وصف الحكمين بأن أحدهما يكون من أهله ، والثاني يكون من أهلها أن ذلك شرط على سبيل الوجوب ، لكنّ العلماء حملوه على وجه الاستحباب ، وقالوا : إذا بعث القاضي حكمين من الأجانب جاز ، وذلك لأنّ فائدة بعث الحكمين استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين ، وإجراء الصلح بينهما ، والشهادة على الظالم منهما ، وهذا الغرض يؤديه الأجنبي كما يؤديه القريب ، إلا أن الأقارب أعرف بحال الزوجين من الأجانب ، وأشدّ طلبا للإصلاح ، وأبعد عن الظنّة بالميل إلى أحد الزوجين ، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس ، فيطلعوا على ما في ضمير كلّ من حب وبغض ، وإرادة صحبة أو فرقة ، لذلك كان الأولى والأوفق أن يكون أحد الحكمين من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجة.
واختلف العلماء فيما يليه الحكمان : أيليان الجمع والتفريق دون إذن الزوجين ، أم ليس لهما تنفيذ أمر يلزم الزوجين دون إذن منهما؟