فذهب علي وابن عباس والشعبي ومالك إلى أن لهما أن يلزما الزوجين دون إذنهما ما يريان فيه المصلحة ، مثل أن يطلق الرجل ، أو تفتدي المرأة بشيء من مالها.
فهما عندهم حاكمان موليان من قبل الإمام.
وقال الحسن وأبو حنيفة وأصحابه : ليس للحكمين أن يفرّقا إلا برضا الزوجين ، فهما عندهم وكيلان للزوجين.
وللشافعي في المسألة قولان.
وليس في الآية ما يرجح أحد الرأيين على الآخر ، بل فيها ما يشهد لكلّ من الرأيين :
فالشهادة للرأي الأول أنّ الله تعالى سمّى كلا منهما حكما ، والحكم هو الحاكم ، وإذا جعلهما الله حاكمين فقد مكّنهما من الحكم.
والشهادة للرأي الثاني أنه تعالى لم يضف إليهما إلا الإصلاح ، وهذا يقتضي أن يكون ما وراء الإصلاح غير مفوّض إليهما ، ولما كانت الآية محتملة للرأيين ، ولم يصحّ في المسألة شيء عنه صلىاللهعليهوسلم كانت المسألة اجتهادية ، وكلام أحد المجتهدين لا يقوم حجة على الآخر ، فالترجيح للرأي والقياس ، والذي يظهر لنا أنّ القياس يقتضي ترجيح الرأي الثاني ، لأنه لا خلاف أنّ الزوج لو أقر قبل التحكيم بالإساءة إليها لم يجبرها الحاكم على الطلاق ، وأنّ الزوجة لو أقرت كذلك قبل التحكيم بالنشوز لم يجبرها الحاكم على الافتداء ، فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث الحكمين ، فكذلك يكون الحكم بعد بعثهما ، لا يجوز إيقاع الطلاق من غير رضا الزوج وتوكيله ، ولا إخراج المال عن ملكها من غير رضاها.
والضمير في قوله تعالى : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) يجوز أن يكون للحكمين ، ويجوز أن يكون للزوجين ، وكذلك الضمير في قوله تعالى ؛ (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) والأوفق جعل الضمير الأول للحكمين ، والثاني للزوجين ، أي إن يقصد الحكمان إصلاح ذات البين بنية صحيحة ، مع إخلاص النصيحة لوجه الله تعالى ، إن يقصدا ذلك يوفق الله بين الزوجين بالألفة والمحبة ، ويلقي في نفسيهما الموافقة وحسن العشرة.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) المراد منه الوعيد للزوجين وللحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق ، فإنه سبحانه عليم بظواهر الأمور وبواطنها ، فيعلم ما يريده كلّ واحد منهم ، وسيجازيهم على حسب ما علم.
قال الله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦))
لما أرشد الله كلا من الزوجين إلى المعاملة الحسنة ، وندب الحكّام إلى إزالة ما