بينهما من الخصومة ، أرشد الناس جميعا إلى طائفة من خلال الخير ، وبيّن لهم أنواعا من الأخلاق الحسنة التي تعلمهم كيف يعامل بعضهم بعضا ، وقد ذكر من ذلك في هذه الآية ثلاثة عشر نوعا ما بين مأمور به ومنهي عنه :
١ ـ أمرنا أن نعبده ، والعبادة : المبالغة في الخضوع ، ويكون ذلك بفعل ما أمر الله به لمجرد أنه أمر به ، وترك ما نهى عنه لمجرد أنه نهى عنه ، سواء في ذلك أعمال القلوب ـ ومنها التوحيد ـ وأعمال الجوارح.
٢ ـ ونهانا أن نشرك به شيئا : والإشراك ضد التوحيد ، فيفهم من النهي عن الإشراك الأمر بالتوحيد ، فالعطف من قبيل عطف الخاص على العام ، وقدم في هذه التكاليف ما يتعلّق بحقه تعالى لأمرين :
الأول : أنّ هذا الذي تعلق بحقه تعالى وهو العبادة والإخلاص فيها أساس الدين ، ومداره الأعظم ، ومن دونه لا يقبل الله من العبد عملا ما.
والثاني : أن في ذلك إيماء إلى ارتفاع شأن الأمور الآتية وإن كانت متعلقة بحقوق العباد ، لأن قرنها بالعبادة والتوحيد يكسبها رفعة شأن وعظم قدر عند الله.
٣ ـ وأمرنا بالإحسان إلى الوالدين : وقد قرن الله تعالى إلزام برّ الوالدين بعبادته وتوحيده في مواضع من القرآن منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣] وقوله جلّ شأنه : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : ١٤] وكفى بهذا دلالة على تعظيم حقهما ، ووجوب برهما ، والإحسان إليهما.
وقد ورد في وجوب بر الوالدين آيات كثيرة ، وأحاديث مشهورة ، وبر الوالدين طاعتهما في معروف ، والقيام بخدمتهما ، والسعي في تحصيل مطالبهما ، والبعد عن كل ما يؤذيهما.
٤ ـ وإلى ذي القربى : وهو صلة الرحم ، على نحو ما ذكر في أول السورة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) والإحسان إلى الأقارب يكون بمودتهم ومواساتهم.
٥ ـ وإلى اليتامى : كما وصّى في أول السورة وفي غيرها ، قال ابن عباس : يرفق بهم يربيهم ، وإن كان وصيا فليبالغ في حفظ أموالهم.
٦ ـ وإلى المساكين : والإحسان إلى المسكين إما بالتصدق عليه ، وإما برده ردا جميلا ، كما قال تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠)) [الضحى : ١٠].
٧ ـ وإلى الجار ذي القربى : وهو الذي قرب جواره ، أو من له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين.