استعماله أنه لا يتيمم ، ولكن لما قاله الله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [المائدة : ٦] وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] فهم منه أن الغرض من شرع التيمم هو التيسير على الناس ، والتيسير على الناس لا يكون بإلزامهم أن يفقدوا ما معهم من الماء في الطهارة ليقعوا في العطب من جرّاء العطش أو الجوع.
وكذلك فهم من ترتيب التيمم على عدم الماء أن المراد ماء يكفي للطهارة ، وأما ما لا يكفي لها فوجوده غير معتدّ به.
وقد اختلف فقهاء الأمصار في جواز التيمم بالحجر وما ماثله من كل ما كان من الأرض ، فجوّزه أبو حنيفة ، واشترط أبو يوسف أن يكون المتيمم به ترابا أو رملا وقال مالك : يتيمّم بالحصا والجبل : وحكي عن أصحابه عنه أنه أجاز التيمم بالزرنيخ والنّورة ونحوهما ، وروى أشهب عنه أنه يجيز التيمم بالثلج.
وقال الشافعي رضي الله عنه : إنما التيمم من التراب.
ومنشأ الخلاف في فهم الطيّب ، فمن حمله على الطاهر قال : المراد كلّ ما كان من جنس الأرض ، بشرط الطهارة.
وقد أطلق الطيب وأريد به الحلال الطاهر ، كما في قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ٥٧].
ومن فهم أنه ينبت قال : إنّ المراد الأرض الصالحة للإنبات ، وهي ذات التراب ، وقد أطلق الطيب وأريد منه ذلك كما في قوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف : ٥٨] ، للأولين أن يقولوا : إنّ هذا الإطلاق غير مراد هنا ، لأنّ المراد بالطيّب في قوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) البلد الذي ليست أرضه سبخة ، ونحن مجمعون على جواز التيمم بتراب الأرض السبخة ، فعلمنا أنّ الطيّب بهذا المعنى غير مراد هنا.
وهذا وظاهر قوله تعالى في سورة المائدة : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) [المائدة : ٦] يدلّ على أنّ المراد بالصعيد : شيء يصل أثر منه إلى الوجه واليدين عند المسح.
وهل المسّ على الحجر الأملس يصل منه شيء إلى الوجه واليدين؟
فنحن نرى أنّ الظاهر قول من قال : بأن المراد بالصعيد تراب الأرض ، والسنة تؤيّد هذا ، فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم من طرق صحيحة (١) ، جعلت لي الأرض مسجدا ، وتربتها طهورا ، وروي و «ترابها طهورا» نعم قد ورد في هذا المعنى «جعلت لي
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٧١) ، ٥ ـ كتاب المساجد حديث رقم (٤ / ٥٢٢).