فيه ، كما أن الوطء حقيقته المشي بالقدم ، فإذا أضيف إلى النساء لم يفهم منه غير الجماع.
وروى ابن جرير (١) عن سعيد بن جبير قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي ليس الجماع ، وقال ناس من العرب : اللمس الجماع ، قال : فأتيت ابن عباس ، فقلت : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي : ليس بالجماع ، وقالت العرب : الجماع! فقال : من أي فريق كنت؟
فقال : كنت من الموالي ، قال : غلب فريق الموالي إن المسّ واللمس والمباشرة الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. وفي رواية ، ولكنّ الله يكني ويعفّ.
وقد اختار ابن جرير (٢) أن الملامسة في الجماع ، وإليك نصّ عبارته ، قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) الجماع دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قبل بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ (٣) ، وساق في ذلك أخبارا كثيرة بنحو ما قلناه آنفا.
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).
أي إذا أصابكم ما تقدّم من موجبات الطهارة ، فطلبتم الماء لتتطهروا به فلم تجدوه ، بأن عدمتموه ، أو وجدتموه ولكن بثمن لا تقدرون على دفعه ، أو وجدتموه ولكنكم تحتاجون إليه ، ولا تقدرون على استعماله فتيمموا : أي اقصدوا صعيدا طيبا.
وقد اختلف العلماء في المراد بالصعيد ما هو؟ فقال بعضهم : هو الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا غراس ، وقال بعضهم : إنه الأرض المستوية ، وقال بعضهم : بل الصعيد التراب ، وقال آخرون : هو وجه الأرض ، وقال بعضهم : هو الأرض ذات التراب والغبار.
ومعنى الطيب : الحلال الطاهر.
ومعنى الآية : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فأردتم أن تصلّوا ، ففقدتم الماء ، فاعمدوا إلى الأرض الطاهرة ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم.
وظاهر الآية يفيد أنّ وجود ماء أي ماء لا يصح معه التيمم ، إذ قد رتبت الآية الأمر بالتيمم على نفي وجود ماء.
وذلك يقتضي أنه لو وجد ماء ، وكان في حاجة شديدة إليه ، أو لا يقدر على
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ٦٥).
(٢) المرجع نفسه (٥ / ٦٧).
(٣) سبق تخريجه.