مثله إذ لو اقتصر على قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) لفهم الأمر بالطاعة في كل الأحوال.
وأيضا فإنّه كيف يتأتّى النزاع في أمر علم حكم الله ورسوله نصا فيه؟ إن ذلك يكون خروجا عما يقضي به الأمر بالطاعة ، ومن أجل ذلك قيل : إنه يجب أن يكون الأمر بطاعة الله ورسوله فيما ثبت نصا عنهما أنه حكم الله في كتابه أو سنة رسوله ، فأما ما لم ينصّ فيهما على حكمه فهذا الذي يصحّ أن يتنازع الناس في حكمه ، لأنهم لا يجدون نصّا يلزمهم طاعته ، وبما أنه لا يمكن أن يحوي الكتاب ولا أن تحوي السنة نصوص الأحكام في أشخاص المسائل ، إذ أشخاص المسائل لا تتناهى. فجاز أن تكون حوادث لا نجد لها حكما في كتاب ولا سنة ، فهذه هي التي قال الله لنا فيها : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) أي فارجعوا فيه إلى ما في الكتاب والسنة من أحكام ـ حيث يكون الحكم قد ورد من أجل حكمة ناط الشارع بها الحكم ، ورتّبه عليها ، وحيث تجدون هذه الحكمة فيما جدّ لديكم من الحوادث ـ تعلموا أنّ هذا الحكم الذي في الكتاب أو السنة مرتبا على هذه العلة هو حكم الله في كتابه أو سنة رسوله فيما جدّ من الحوادث.
وهذا هو القياس الذي فهمه معاذ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن ، وأقرّه الرسول عليه ، حيث روي أنه قال : «كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟».
قال : «أقضي بكتاب الله».
قال : «فإن لم يكن في كتاب الله؟».
قال : «أقضي بسنة نبي الله».
قال : «فإن لم يكن في كتاب الله وسنة رسول الله؟».
قال : «أجتهد رأيي لا آلو».
قال : فضرب على صدره وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله إلى ما يرضي رسول الله» (١).
وإذا جرينا على ما رآه الفخر الرازي من تفسير أولي الأمر : بأهل الحل والعقد تكون الآية دالّة على حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وفي قوله : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ما يشعر بكون المتنازع فيه مما لا نص فيه ، وإلا كان واجب الطاعة ، غير محل للنزاع كما قدمنا.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ٢٩٥) ، كتاب الأقضية ، باب اجتهاد الرأي حديث رقم (٣٥٩٢) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٦١٦) ، كتاب الأحكام ، باب القاضي حديث رقم (١٣٢٧) ، وأحمد في المسند (٥ / ٢٣٠).