وقد يقال : كيف قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وطاعة رسوله هي طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)؟ [النساء : ٨٠].
قيل : ذلك إيماء إلى الكتاب والسنة ، فالكتاب إلى الله ، والسنة إلى الرسول ، وإن كان الكلّ من عند الله.
(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) التنازع : الاختلاف مأخوذ من النزع ، الذي هو الجذب ، لأنّ كلا من المتنازعين يجذب الحجة من صاحبه.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وعيد من الله لكل من حاد عن طاعة الله ورسوله ، والردّ إليهما عند الاختلاف ، وهو في معنى قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥].
(ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ، اسم الإشارة يرجع إلى ما أمروا به من طاعة الله ورسوله ، والردّ إليهما عند المنازعة.
والتأويل : المآل والعاقبة.
قد يؤخذ من الآية التي معنا أنّ أدلة الأحكام الشرعية أربعة لا غير ، وهي :
الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وإنّ غيرها لا يصحّ التعويل عليه في إثبات الأحكام ، ولا الردّ إليه عند النزاع ، لأنّ الأحكام إما منصوصة في كتاب أو سنة ، وذلك قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وإما مجمع عليها من أولي الأمر بعد استنادهم إلى دليل علموه ، وذلك قوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وإما غير منصوص ولا مجمع عليها ، وهذه سبيلها الاجتهاد ، والرد إلى الله والرسول وذلك هو القياس ، فما أثبته الفقهاء والأصوليون غير هذه الأربعة كالاستحسان الذي يراه الحنفية دليلا ، وإثبات الأحكام الشرعية تمشيا مع المصالح المرسلة الذي يقول به المالكية ، والاستصحاب الذي يقول به الشافعية كلّ ذلك إن كان غير الأربعة فمردود بظاهر هذه الآية ، وإن كان راجعا إليها ، فقد ثبت أنّ الأدلة أربعة.
قال الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢))
تحرير رقبة : التحرير عبارة عن جعل العبد حرا ، والحرّ في الأصل الخالص ، وإنما سمي به من ليس رقيقا لأنّه خالص مما يكدر إنسانيته.