بقي أن يقال : إذا اختلف النظام الاجتماعي عما كان عليه في زمن العرب ، وفقدت عصبية القبيلة بعضهم لبعض ، وصار كل امرئ معتمدا على نفسه دون قبيلته ، كما في النظام الحاضر ، يكون الأوفق الأخذ برأي الأصم والخوارج أم برأي الجمهور؟
هذا محل اجتهاد ، والحكمة في إيجاب الله الدية أن القاتل قد فوّت على أهل القتيل منفعتهم به ، ولم يتعمّد قتله حتى يكون القصاص ، فأوجب الله الدية مالا يدفع لورثة المقتول عوضا عما فاتهم من منافعه ، وتطييبا لخواطرهم ، فلا تتطلع نفوسهم للانتقام.
ومقدار دية الخطأ مختلف فيها فأما على أهل الإبل فمائة ، منها ـ وهي مخمّسة ـ عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن لبون ذكرا ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ، عند مالك والشافعي.
وكذلك عند أبي حنيفة إلا أنه يجعل ابن اللبون ابن مخاض ، وهي تؤجّل ، تؤخذ نجوما على ثلاث سنين ، وأما دية شبه العمد فهي مثلثة : منها أربعون خلفة ، وثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة.
ومالك لا يقول بشبه العمد إلا في قتل الوالد لولده.
وأما دية العمد فما اصطلح عليه عند أبي حنيفة ومالك على المشهور من قوله.
وأما عند الشافعي فكدية شبه العمد ، وأما على أهل الذهب فألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم عند مالك ، وعند العراقيين على أهل الورق عشرة آلاف درهم.
قال الشافعي بمصر : لا تؤخذ من أهل الذهب ولا من أهل الورق إلا قيمة الإبل بالغة ما بلغت ، وقوله بالعراق مثل قول مالك.
ويدل للشافعي في قوله الأول ما روي (١) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : كانت الديات على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين.
قال : فكان ذلك حتى استخلف عمر ، فقام خطيبا فقال : إن الإبل قد غلت ، ففرضها عمر على أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاة ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة لم يرفع فيها شيئا.
وقد روى أهل السنن الأربعة (٢) عنه صلىاللهعليهوسلم : «إن دية المعاهد نصف دية المسلم» ولفظ
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٤ / ١٨٣) ، كتاب الديات ، باب الدية كم هي؟ حديث رقم (٤٥٤٢).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٤ / ١٩٧) ، كتاب الديات ، باب دية الذمي حديث رقم (٤٥٨٣) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ١٨) ، كتاب الديات حديث رقم (١٤١٣).