هو قول الرازي والمعتزلة ـ فلا يصح القول بإطلاق الكفر على الساحر ، لأنّ من يستعمل من ضروبه السعي بالنميمة لا يكفر بذلك. وقد فطنوا لذلك فلم يكفّروا من السحرة إلا من يعظّم الكواكب ، ويسند الحوادث إليها ، أو يزعم أنه يقدر على الخوارق للعادة ، فيكفر لأنه يدعي أنه يقدر على مثل ما يكون للأنبياء من معجزات ، وفي ذلك طعن في معجزاتهم. وسدّ لباب دلالة المعجزة على نبوتهم. أما من يستعمل في ضروبه الإفساد بالنميمة ، أو خفّة اليد ، دون ادعاء ما ذكر ، فلا يكون بذلك كافرا. والآية محمولة على سحر أهل بابل ، وهو كان تعظيما للكواكب كما تقدم.
وإذا كان السحر كفرا. كان المسلم إذا عمل السحر مرتدا بذلك ، فيحكم عليه بالقتل ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «من بدّل دينه فاقتلوه» (١) على هذا اتفق علماء الأمصار ، ما عدا الشافعي ومن تبعه.
وقد استدلّ الأولون بما روي عن ابن قانع قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا ابن الأصبهاني قال : حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «حدّ الساحر ضربه بالسيف» (٢) وقد روي هذا عن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين منهم : عمر ، وعثمان ، وعلي ، والروايات في ذلك كثيرة عن السلف الصالح.
ومالك رحمهالله راعى ذلك الأصل ، وهو أنه يقتل لكفره ، فإن كان مجاهرا به قتل. وماله فيء. وإن كان يخفيه أجراه مجرى الزنديق ، فلم يقبل توبته ، كما لم يقبل توبة الزنديق ، ولم يقتل ساحر أهل الذمة ، لأنه غير مستحق للقتل بكفره ، لأننا قد أقررناه عليه ، فلا يقتل إلا أن يضر بالمسلمين ، فيكون ذلك عنده نقضا للعهد ، فيقتل كما يقتل الحربي.
وأما أبو حنيفة رحمهالله فلم يراع ذلك الأصل دائما ، فحكم على الساحر بالقتل سواء أكان مسلما أم ذميا ، فلو كان قتل الساحر لكفره ، لما قتل الذمي الساحر لأنه كافر أصلا ، وقد أقررناه على كفره.
وقد علّل أصحابه لذلك فقالوا : الساحر جمع إلى كفره السعي في الأرض بالفساد ، فأشبه المحارب ، فلذلك قتل الساحر سواء أكان ذميا أم مسلما ، فلم يفرق بين الساحر من أهل الذمة والمسلمين ، كما لا يختلف حكم المحارب من أهل الذمة
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٤ / ٢٧) ، ٥٦ ـ كتاب الجهاد ، ١٤٩ ـ باب لا يعذب بعذاب الله حديث رقم (٣٠١٧).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ٤٩) ، في كتاب الحدود ، باب ما جاء في قتل الساحر حديث رقم (١٤٦٠).