وقد ذهب ابن عباس إلى أنّ المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا تقبل له توبة. أخرج ابن جرير (١) عن سالم قال : كنت جالسا مع ابن عباس ، فسأله رجل فقال : أرأيت رجلا قتل مؤمنا متعمدا أين منزله؟
قال : جهنم خالدا فيها ، وغضب الله عليه ، ولعنه ، وأعدّ له عذابا عظيما.
قال : أفرأيت إن هو تاب ، وآمن ، وعمل صالحا ، ثم اهتدى.
قال : وأنّى له الهدى ثكلته أمّه والذي نفسي بيده لسمعته يقول ـ يعني النبي صلىاللهعليهوسلم ـ : «يجيء يوم القيامة معلّقا رأسه بإحدى يديه ، إما بيمينه أو بشماله ، آخذا صاحبه بيده الأخرى تشخب أوداجه حيال عرش الرحمن ، يقول : يا ربّ سل عبدك هذا علام قتلني» (٢) فما جاء نبيّ بعد نبيكم ، ولا نزل كتاب بعد كتابكم.
وقال جمهور العلماء : إنّ توبة القاتل تقبل ، ويدل له أن الكفر أعظم من هذا القتل ، والتوبة عن الكفر تقبل ، فالتوبة عن القتل أولى بالقبول.
وأيضا آيات الفرقان تدل على قبول توبته ، وهي قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠].
وأيا ما كان الأمر ، فالآية تعدّ قتل المؤمن من الكبائر ، وتهدّد القاتل بأنواع من التهديد والعقاب.
وقد ورد في الأحاديث من التغليظ في قتل المسلم ما هو قريب مما في الآية :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم» (٣).
وقال أيضا : «لو أنّ رجلا قتل بالمشرق ، وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه».
وقال أيضا : «إن هذا الإنسان بنيان الله ، ملعون من هدم بنيانه».
وقال أيضا : «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة ، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله» (٤).
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ١٣٨).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٢٢٤) ، كتاب التفسير حديث رقم (٣٠٢٩) ، والنسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٩٥) في تحريم الدم حديث رقم (٣٩٩٩) ، وابن ماجه في السنن (٢ / ٨٧٤) ، كتاب الديات حديث رقم (٢٦٢١).
(٣) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ١٠) ، كتاب الديات ، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن حديث رقم (١٣٩٥) ، والنسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٩٣) حديث رقم (٣٩٨٧).
(٤) رواه ابن ماجه في السنن (٢ / ٨٧٤) ، كتاب الديات باب التغليظ في قتل مسلم ظلما حديث رقم (٢٦٢٠).