سبب نزول هذه الآية : قد اختلف فيه ، ونحن نقتصر هنا على رواية واحدة (١) : قيل : إنّ مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ، ولم يسلم من قومه غيره ، فغزتهم سرية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كان عليها غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا ، وبقي مرداس لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل ، وصعد ، فلما تلاحقوا وكبّروا ، كبر ونزل ، وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد ، واستاق غنمه ، فأخبروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجد وجدا شديدا ، وقال : «قتلتموه إرادة ما معه» ثم قرأ الآية على أسامة ، فقال : يا رسول الله استغفر لي ، فقال : «فكيف بلا إله إلا الله» قال أسامة : فما زال يعيدها حتى وددت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ ، ثم استغفر لي ، وقال : أعتق رقبة.
ويؤخذ مما تقدم أنّ الكافر إذا قال : لا إله إلا الله ، حرم قتله ، لأنّه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله.
وقد قال الفقهاء : إذا قتله في هذه الحالة قتل به ، وإنما لم يقتل أسامة لأنّه كان في صدر الإسلام ، وتأوّل أنه قالها متعوّذا ، وأنّ العاصم قولها مطمئنا.
وقد ورد الحديث الصحيح (٢) مبينا أنّ قول لا إله إلا الله عاصم كيفما كان ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله».
قال الله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))
الضرب في الأرض : السير فيها ـ قال الله تعالى : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) [المزمل : ٢٠].
وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء : ٩٤].
القصر : من الشيء الحدّ منه وجعله أنقص مما كان ، وهو بهذا المعنى في الصلاة يحتمل النقص من عددها ، ويحتمل النقص من صفتها وهيئتها ، فالأول أن تصير الرباعية ثنتين ، والثاني التخفيف في هيئتها كأن تكون ذات ركوع وسجود ، يمتنع المشيء فيها ، فتصير ذات إيماء يباح الانتقال فيها ، وكأن يصلي المأموم خلف الإمام الصلاة كاملة فيقتصر على جزء منها مع الإمام ، ثم ينتظر حتى يجيء مأموم آخر فيصلي مع الإمام ما بقي من صلاة الإمام ثم ينصرف ، ويتم كل من المأمومين صلاته
__________________
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٥ / ١٤١).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٥٢) ، ١ ـ كتاب الإيمان ، ٨ ـ باب الأمر بقتال الناس حديث رقم (٣٣ / ٢١).