منفردا ، كلّ ذلك حطّ من الصلاة ، ونقص لها ، وتخفيف على فاعلها.
وقد اختلف العلماء في المراد بالقصر هنا ، أهو القصر في عدد ركعات الصلاة أم هو القصر من هيئتها ، والقائلون بأنّ القصر نقص عدد الركعات اختلفوا في المراد من الصلاة أهي صلاة المسافر أم هي الصلاة في حال الخوف من العدو ، فعلى الأول يكون القصر للصلاة في السفر بالنظر لما كانت عليه في الحضر.
وذهب ابن عباس وجابر بن عبد الله إلى الثاني ، قال ابن عباس : فرض الله صلاة الحضر أربعا وصلاة السفر ركعتين ، وصلاة الخوف ركعة على لسان نبيكم ، وهذا القول ليس بظاهر ، لأنّ القرآن صريح في أن كيفية صلاة الخوف أن يقسم القوم أنفسهم طائفتين ، يصلّي الإمام بطائفة منهما شيئا من الصلاة ، ثم تأتي طائفة أخرى لم يصلّوا فيصلون مع الإمام ، ونحن متفقون على أنّ المأموم عليه أن يؤدي مثل ما يؤدي الإمام ، فما معنى قولهم : إن صلاة الخوف ركعة؟ إن أرادوا أنها ركعة بجماعة مع الإمام بالنظر لكل من الطائفتين فهو مسلم ، ولا يثبت لهم ما قالوا من أنّ صلاة الخوف ركعة ، وإن قالوا : إن كل طائفة ليس عليها إلا الذي صلت مع الإمام ، فهو مخالف لما حكينا من الاتفاق على أن المأموم عليه أن يفعل مثل ما فعل الإمام ، وقد دلّت كلّ الأخبار التي رويت في صلاة النبي صلىاللهعليهوسلم لصلاة الخوف أنها ركعتان ، يصلّي بكل طائفة ركعة ، وعلى هذا يجب أن يحمل قول ابن عباس وجابر رضي الله تعالى عنهما أن صلاة الخوف ركعة ، أنها ركعة لكل طائفة مع الإمام ، وتقضي كل منهما ركعة دون الاقتصار على ركعة واحدة.
وقد استدلّ القائلون بأنّ القصر قصر عدد الركعات بما روي عن يعلى بن أمية أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف تقصر وقد أمّنا ، وقد قال الله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته» (١).
وهذا يدلّ على أنّ المراد بالقصر في الآية القصر في عدد الركعات ، لأنّ السائل فهم أنّ ذلك لا يكون إلا في الخوف ، وقد فعل في الأمن فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هو صدقة» فدلّ على أنّ القصر الذي في الآية من جنس القصر الذي يكون في الأمن ، وذلك نقص في الركعات دون الصفة ، وأيضا فإنّ القصر أن تقتصر من الشيء على بعضه ، والقصر في الصفة تغيير ، لا إتيان بالبعض ، لأنه جعل الإيماء بدل الركوع
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٤٧٨) ، ٦ ـ كتاب المسافرين ، ١ ـ باب صلاة المسافرين حديث رقم (٤ / ٦٨٦).