مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢)) هذا شروع في بيان كيفية صلاة الخوف.
وقبل الكلام على معنى الآية نقول : قد ذهب الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في إحدى الروايات عنه والحسن بن زياد إلى أنّ ما اشتملت عليه الآية من الأحكام كان خاصا بوجود النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الجيش أخذا من ظاهر قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) ثم هو يقول : إن هذا الحكم في حال وجود النبي صلىاللهعليهوسلم كان معقول المعنى ، مراعاة لوجوب التسوية بين أفراد الجيش في إحراز فضيلة الصلاة مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولذلك اغتفر لهم في الصلاة ما لم يغتفر في غيرها من الصلوات ، من إباحة المشي ، والسير مع الإمام ، ثم مفارقته قبل تمام الصلاة معه ، وحمل السلاح إلى غير ذلك. وأما بعد زمن النبيّ فلا داعي إلى أعمال من شأنها أن تفسد الصلاة في غير ضرورة ، إذ من الممكن أن تتعدد الأئمة في الجيش ، فيصلّي بكل فرقة إمام في أوقات مختلفة ، مع بقاء العدة والحذر من العدو ، وبعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يفضل إمام إماما ، وفي الإمكان اختيار أئمة على سواء ، فالضرورة التي كانت في إحراز فضل الصلاة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم قد زالت ، فلا حاجة إلى صلاة الخوف بكيفية من كيفياتها التي وردت وذهب إليها الفقهاء.
ولكنّ جمهور الفقهاء على خلاف هذا ، وأن صلاة الخوف لا تزال مشروعة ، وهم مختلفون فيما بينهم على الكيفية التي تصلّى بها صلاة الخوف ، وقد تقرّر عندهم أن خطاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم خطاب لأمته : فلا مستمسك لأبي يوسف بالخطاب.
وأما الشرط (إذا) فهو لا يدل على أكثر من ترتب وجود قسمة المصلين طائفتين على وجوده فيهم ، ولكن لا دلالة على أنه إذا عدم الوجود فيهم انعدمت هذه القسمة.
بعد هذا نقول : إنه ورد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد صلّى صلاة الخوف على هيئات مختلفة ، في مواضع مختلفة ، وقد يكون صلاها في كلّ مرة على هيئة تخالف ما صلاها عليه في المرات الأخرى ، وقد اتخذ الفقهاء من هذه الروايات على هذه الأوضاع المختلفة أدلة على مذاهبهم المختلفة وقد يكون في مخالفة النبي صلىاللهعليهوسلم بين الأوضاع وفي الأماكن المختلفة : ما يصح أن يكون دليلا على أن الأمر فيها متروك لإمام الجيش ، يصلّي بالناس حسبما تقضي المصلحة الحربية ، وقد قال هذا أو ما يقرب من هذا كلّ من أبي بكر الرازي وابن جرير الطبري (١).
__________________
(١) رواه أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن (٢ / ٢٥٨) ، وابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ١٦٥).