الأولى لنفسها ، وتجيء الثانية على ما بينهما من خلاف في سلام الإمام.
واختلفوا أيضا في الصلاة حال اشتباك القتال أتجوز أم لا؟ فقال الحنفية : لا صلاة حال اشتباك القتال ، فإن قاتل فيها فسدت صلاته. وقال مالك : يصلي بالإيماء إذا لم يقدر على الركوع والسجود. وقال الشافعي : لا بأس أن يضرب الضربة ، ويطعن الطعنة ، فإن تابع الضرب والطعن فسدت صلاته ، والأدلة تلتمس في غير الآية.
قال الله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)) يقول الله تعالى : فإذا فرغتم أيها المؤمنون من صلاتكم التي بينا لكم كيفيتها ، فاذكروا الله قياما وقعودا ومضطجعين على جنوبكم ، واذكروه معظمين خاشعين ، سائليه النصر والظفر ، فإنه الذي بيده النصر ، وهو القادر على كل شيء ، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً).
وقد طلب الله تعالى من عباده أن يذكروه دائما ، والذكر أداة الفلاح ، إذ هو وسيلة الخشية ، ومتى وجدت الخشية وجدت الطاعة ، واجتنبت المعصية ، وذلك هو الفوز والسعادة.
روى ابن جرير (١) عن ابن عباس في قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) أنه كان يقول : لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها جزاء معلوما ، ثم عذر أهلها في حال غير الذكر ، فإنّ الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه. ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، فقال : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) بالليل والنهار ، في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال.
وقيل : إنّ معنى الآية : إن أردتم أداء الصلاة ، واشتد الخوف إذا اشتبكتم في القتال ، فصلوا كيفما كان. وهذا يوافق ما ذهب إليه الشافعيّ ، رضي الله عنه من وجوب الصلاة حال المحاربة ، وعدم جواز تأخيرها عن الوقت ، وأنت ترى أنّ ذلك بعيد من لفظ (قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ).
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) أي أقمتم ، وهو مقابل لقوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) سميت الإقامة طمأنينة لما فيها من السكون والاستقرار ، ويصح أن يكون المراد فإذا أمنتم وزال عنكم الخوف الذي ترتب عليه قصر صفة الصلاة وهيئتها.
(فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أدوها على وجهها الذي كانت عليه قبل هذا ، وأتموها ، وعدّلوا أركانها ، وراعوا شروطها ، وحافظوا على حدودها.
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ١٦٦).