فتمنعوها حقها من غير رضا منها ، واعدلوا ما استطعتم ، فإنّ عدم العدل بينهن يوقد نار الغيرة والحقد في نفوسهن ، ويغريهن بالشر والفساد. وفي ذلك من المفاسد ما يربو على مصلحة تعدد الزوجات في نظر الشارع الحكيم.
وفي قوله تعالى : (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) ضرب من التوبيخ للأزواج ، أي لا ينبغي ولا يليق بكم أن تجوروا على الضرائر ، فتدعوها كالمعلقة ؛ لا هي ذات بعل ؛ ولا مطلقة ، فإما أن تعدلوا بينهن ، وإلا فالفرقة أولى ، كما قال تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ٢٢٩].
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان له امرأتان فمال مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقّيه ساقط» (١) وكان السلف الصالح يستحبون أن يسووا بين الضرائر حتى في الطيب ، يتطيّب لهذه كما يتطيب لهذه. وعن ابن سيرين في الذي له امرأتان يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى.
(وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي وإن تصلحوا ما كنتم تفسدون من أمورهن فيما مضى بميلكم إلى إحداهن ، وتتداركوه بالتوبة ، وتتقوا بالجور فيما يستقبل ، فإنّ الله يغفر لكم ما مضى من الحيف ، ويتفضل عليكم برحمته وإحسانه.
ظاهر هذه الآية يوجب التسوية في القسم بين الحرة والأمة. وهو قول أهل الظاهر ، ورواية عن مالك رضي الله عنه ، لكنّ جمهور الأئمة على أنّ الأمة المزوّجة على النصف من الحرة في القسم محتجين على ذلك بأن الإمام عليا رضي الله عنه قضى بذلك ، ولا يعرف له في الصحابة مخالف مع انتشار هذا القضاء وظهوره ، وموافقته للقياس ، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يسوّ بين الحرة والأمة لا في الطلاق ؛ ولا في العدة ؛ ولا في الحد ؛ ولا في الملك ؛ ولا في الميراث ؛ ولا في الحج ؛ ولا في مدة الكون عند الزوج ليلا ونهارا ، ولا في أصل النكاح ، بل جعل نكاحها بمنزلة الضرورة ، فاقتضى ذلك ألا يسوّي بينها وبين الحرة في القسم.
ومن هذه الآية يعلم أنه لا تجب التسوية بين النساء في المحبة ، فإنها لا تملك ، وكانت عائشة رضي الله عنها ـ كما علمت ـ أحبّ نسائه إليه صلىاللهعليهوسلم ، وأخذ من هذا أنّه لا تجب التسوية بينهن في الوطء ، لأنّه موقوف على المحبة والميل ، وهي بيد مقلّب القلوب.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٢٠٩) ، كتاب النكاح حديث رقم (٢١٣٣) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٤٤٧) ، كتاب النكاح حديث رقم (١١٤١) ، والنسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٧٤) ، كتاب في عشرة النساء حديث رقم (٣٩٥٢) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٦٣٣) ، كتاب النكاح حديث رقم (١٩٦٩).