باشتماله على الفرائض المقدسة ، والحلال والحرام بالتنصيص على أصول العقائد ، والتوقيف على أساس التشريع وقوانين الاجتهاد ، نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١)) [الإخلاص : ١](لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١](عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ : ٣] ونحو (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠](وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) [النحل : ٩١](وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : ١٥٩] ونحو (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠].
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
وأما إتمامه في ظهوره فكان بإعلاء كلمته ، وغلبته على الأديان كلها ، وموافقته للمصالح العامة ، حتى إنّ كثيرا ممن لم يعتنقوا الدين الإسلامي يقتبسون منه ما يصلح أحوالهم ، ويعين على ضبط أمورهم ، وتدبير شؤونهم.
وقد تمسّك بعضهم بقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) في نفي القياس ، وبطلان العمل به ، لأنّ إكمال الدين يقتضي أنه تعالى نصّ على أحكام جميع الوقائع ، إذ لو بقي بعض لم يبيّن حكمه لم يكن الدّين كاملا.
وأجيب بأنّ غاية ما يقتضيه كمال الدين أن يكون الله تعالى قد أبان الطريق لجميع الأحكام ، وقد أمر الله بالقياس ، وتعبّد المكلفين به في مثل قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢] فكان هذا مع النصوص الصريحة بيانا لكلّ أحكام الوقائع غاية الأمر أنّ الوقائع صارت قسمين : قسم نص الله تعالى على حكمه وقسم أرشد الله تعالى إلى أنّه يمكن استنباط الحكم فيه من القسم الأول ، فلم تصلح الآية متمسكا لهم.
(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) بالإكمال في الدين والشريعة بما فتح الله عليكم من دخول مكة آمنين مطمئنين ، ومن انقياد الناس لكم (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) أي اخترته لكم دينا ، تأتمرون بأوامره ، وتنتهون بنواهيه ، بحيث لا أقبل منكم غيره كما قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥].
(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المخمصة المجاعة قال أهل اللغة : الخمص والمخمصة خلو البطن من الطعام عند الجوع ، وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن ، وهذه الجملة متصلة بذكر المحرّمات ، وقوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) إلى قوله : (دِيناً) اعتراض أكّد به معنى التحريم ، فإنّ منع الناس عن هذه الخبائث من جملة الدين الكامل ، والنعمة التامة ، والإسلام الذي هو الدين المرضي عند الله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ) ألجأه الاضطرار وأصابه الضر (فِي مَخْمَصَةٍ) أي مجاعة ، فتناول من المحرمات شيئا (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أي غير مائل لإثم ، وغير