السهام ، وكانت موضوعة في حقيبة حول الكعبة ، فيخرج منها واحدا فإن خرج الآمر مضى لحاجته ، وإن خرج الناهي أمسك ، وإن خرج الغفل أعاد التناول ، وسميت هذه السهام أزلاما لأنّها زلمت بضم فكسر ، أي سوّيت ، فلم يكن نتوء أو انخفاض ، وإنما ذكر هذا النوع هنا مع أنه ليس من المطعوم ، لأنه لما كان يعمل حول الكعبة ذكر بجانب ما ذبح على النصب التي حول الكعبة.
ثم قوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) يحتمل أن يكون راجعا إلى كل ما تقدم ، أي أنّ التلبس بما تقدم ذكره تمرّد وخروج على أحكام الله تعالى ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى الاستقسام بالأزلام ، والمعنى أنّهم فسقوا وخرجوا عن الحد بالاستقسام بالأزلام ، لأنّهم إن أرادوا بالرب في قولهم : أمرني ونهاني ربي جانب الله تعالى كانوا قد كذبوا على الله ، وافتروا عليه ، وإن أرادوا الأصنام كان ذلك شركا وجهالة ، وعلى كلّ فقد فسقوا وتمردوا ، وخرجوا عن الحد.
فإن قيل : إن الاستقسام بالأزلام لم يخرج عن أنه من جملة الفأل ، وكان عليهالسلام يحب الفأل (١) فلم صار فسقا؟
أجيب بالفرق بين الفأل وبين الاستقسام بالأزلام ، فإنّ الفأل أمر اتفاقي تنفعل به النفس وتنشرح للعمل مع رجاء الخير منه ، بخلاف الاستقسام بالأزلام فإنّ القوم كانوا يعملون بالأزلام عند الأصنام ، ويعتقدون أن ما يخرج من الأمر والنهي على تلك الأزلام بإرشاد الأصنام وإعانتها ، فلهذا كان الاستقسام بها فسقا وكفرا.
ولما حذّر الله تعالى المؤمنين من تعاطي المحرمات التي ذكرها حرضهم على التمسك بما شرعه لهم ، وثبته في قلوبهم ، وبشرهم بما يقوّي عزيمتهم ويربّي فيهم الشجاعة والشهامة فقال : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أي من إبطال دينكم وغلبتكم عليه (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أي لا تخافوا من أن يظهروا عليكم ، واخشوا جانب الله تعالى فقط ، أي استمروا على خشيته ، والإخلاص له.
والمراد باليوم الزمان الحاضر ، وما يتصل به من الماضي والآتي. وقيل المراد يوم نزول هذه الآية ، وهو يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع ، والنبي صلىاللهعليهوسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء.
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ليس المراد بإكمال الدين أنه كان ناقصا قبل اليوم ثم أكمله ، وإنما المراد أن من أحكامه قبل اليوم ما كان مؤقتا في علم الله ، قابلا للنسخ ، ولكنها اليوم قد كملت ، وصارت مؤبّدة صالحة لكل زمان ومكان ، والمراد بإكماله إتمامه في نفسه وفي ظهوره ، أما إتمامه في نفسه فكان
__________________
(١) رواه أحمد في المسند (٢ / ٣٣٢).