ومنشأ الخلاف في أن الذكاة تعمل أو لا تعمل اختلافهم في أن الاستثناء متصل أو منقطع ، فمن رأى أنه متصل يرى أنه أخرج من الجنس بعض ما تناوله اللفظ ، فما قبل كلمة الاستثناء حرام ، وما بعدها خرج منه ، فيكون حلالا ، ومن رأى أنه منقطع يرى أنه لا تأثير للاستثناء في الجملة المتقدمة ، وكأنه قال ما ذكيتموه من غير الحيوانات المتقدمة فهو حلال تتمتعون به كما تشاؤون.
ويؤيد القول بأن الاستثناء متصل إجماع العلماء على أن الذكاة تحلّل ما يغلب على الظن أنه يعيش ، فيكون مخرجا لبعض ما يتناوله المستثنى منه فيكون الاستثناء فيه متصلا.
واحتج من قال : إن الاستثناء منقطع بأن التحريم إنما يتعلق بهذه الحيوانات بعد الموت وهي بعد الموت لا تذكى ، فيكون الاستثناء منقطعا ، وأجيب عن ذلك بأن الاستثناء متصل باعتبار ظاهر الحال ، فإن ظاهر هذه الحيوانات أنها تموت بما أصيبت به ، فتكون حراما بحسب الظاهر إلا ما أدرك حيا وذكّي ، فإنه يكون حلالا ، والتحريم وإن كان لا يتعلق بها حقيقة إلا بعد الموت كما يقولون ، إلا أن اتصال الاستثناء يكفي فيه هذا الظاهر ، خصوصا إذا لوحظ أنها إذا ذكيت وهي حية كانت مساوية لغيرها من بقية الحيوانات المذكاة ، فلا وجه للقول بعدم حلها.
والاستثناء المتصل على ما تقدم يرجع إلى الأصناف الخمسة من المنخنقة وما بعدها ، وهو قول علي وابن عباس والحسن ، وقيل : إنه خاص بقوله : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) والأول هو الظاهر.
وحرم (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) : جمع نصاب كحمار وحمر ، وقيل : جمع نصب بفتح وسكون ، كسقف وسقف ، وقيل مفرد ، وجمعه أنصاب ، كطنب وأطناب ، وعلى كلّ فهي حجارة كانوا ينصبونها حول الكعبة ، ويذبحون قرابينهم التي يتقرّبون بها إلى معبوداتهم عليها ، ويعظّمونها ، ويعتبرون الذبح لآلهتهم قربة ، وكون الذبح على النصب قربة أخرى ، ولهذا كانوا يلطّخون النصب بدم الذبائح ، كأنهم يثبتون بذلك كون الذبح وقع قربة.
وليست النصب هي الأوثان ، فإنها حجارة غير منقوشة ، بخلاف الأوثان فإنّها حجارة منقوشة.
وحرم الاستقسام بالأزلام أي محاولة معرفة ما قسم وقدر في الأمر من الخير أو الشر بالأزلام ، جمع زلم بفتحتين ، وهو السهم قبل أن يتصل ويراش ، وهي سهام ثلاثة ، كتب على أحدها أمرني ربي ، وعلى الثاني نهاني ربي ، ولم يكتب على الثالث شيء ، فإذا أراد أحدهم سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو غير ذلك يعمد إلى هذه