بين وجودها في مثل هذا التركيب وعدم وجودها ، لأنّك إذا قلت مسحت يدي بالحائط كان المفهوم مسح اليد ببعض الحائط لا بجميعه ، وإذا قلت مسحت الحائط بيدي كان المفهوم مسح جميع الحائط ، ومتى ظهر الفرق بين إدخال الباء وبين إسقاطها وجب أن يحمل قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) على بعض الرأس وفاء بحق الحرف.
إلا أن الحنفية استندوا في تقدير البعض بثلاث أصابع على رأي ، وبربع الرأس على رأي آخر إلى ما رواه المغيرة بن شعبة كما تقدم.
وأما الشافعية فقالوا : إن أقل ما ينطبق عليه اسم المسح داخل بيقين ، وما عداه لا يقين فيه ، فلا يكون فرضا.
وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب معطوف على وجوهكم ، فيجب غسل الأرجل إلى الكعبين ، يؤيّد ذلك عمل النبي صلىاللهعليهوسلم وعمل أصحابه في حياته وبعد مماته ، فكان الحكم مجمعا عليه.
وأما قراءة الجر فمحمولة على الجوار ، كما في قوله في سورة هود (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [هود : ٢٦] بجر الميم لمجاورة يوم المجرور ، وفائدة الجر للجوار هنا في قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) التنبيه على أنه ينبغي الاقتصاد في صب الماء على الأرجل ، وخص الأرجل بذلك لأنها مظنة الإسراف ، لما يعلق بها من الأدران.
والكعبان تثنية الكعب ، وهو العظم الناتئ بين الساق والقدم ، ولكل رجل كعبان يجب غسلهما.
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أصل الفعل تطهّروا ، أدغمت التاء في الطاء فسكنت ، فأتى بالهمزة ، أي فاغسلوا بالماء أبدانكم جميعها ، فإنّ الأمر بالتطهير لما لم يتعلق بعضو دون عضو كان أمرا بتحصيل الطهارة في كل البدن ، يدل على ذلك أنّ الوضوء لما تعلّق بعضو دون عضو نص الله تعالى في الأمر به على تلك الأعضاء التي أوجب غسلها ، وإنما حملت الطهارة بالماء لأنّ الماء هو الأصل فيها ، كما يشير قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال : ١١].
والجنابة معنى شرعي يستلزم اجتناب الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجد إلى أن يغتسل الجنب. وقد بيّن النبي صلىاللهعليهوسلم لحصول الجنابة سببين : الأول : نزول المني ، فإنه عليه الصلاة والسلام يقول في هذا الشأن «الماء من الماء» (١) أي يجب استعمال الماء للغسل من أجل الماء ، أي المني.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٢٦٩) ، ٣ ـ كتاب الحيض ، ٢١ ـ باب إنّما الماء من الماء حديث رقم (٨٠ / ٣٤٣).