بعد أن بيّن الله تعالى وجوب استعمال الماء في الوضوء والغسل عند إرادة الصلاة بيّن هنا أنّ وجوب استعمال الماء مقيّد بأمرين :
الأول : وجود الماء. والثاني : القدرة على استعماله من غير ضرر.
أما إذا انعدم الماء أو وجد ولكنّ مريد الصلاة مريض يضره الماء ، فالوجوب ينتقل من استعمال الماء إلى التيمم في حالتي الحدث الأصغر والأكبر.
فالتيمم رخصة مبنية على أعذار العباد ، وهو حكم سقط به حكم آخر هو وجوب استعمال الماء لعذر ، وهو عدم القدرة على استعمال الماء ، فهو رخصة إسقاط في المحل ، لاقتصاره على الوجه واليدين ، وفي الآلة لقيامة مقام الماء عند عدم القدرة على استعمال الماء.
وظاهر النص جواز التيمم للمريض مطلقا ، ولكنّه مقيّد بمن يضره الماء ، كما روي عن ابن عباس وجماعة من التابعين من أنّ المراد بالمريض المجدور ، ومن يضره الماء كما تقدم في سورة النساء ، ولذلك رأى الفقهاء أنّ المرض أنواع :
الأول : ما يؤدي استعمال الماء فيه إلى التلف في النفس أو العضو بغلبة الظن ، أو بإخبار الطبيب المسلم الحاذق ، وفي هذه الحالة يجوز التيمم باتفاق.
والثاني : ما يؤدي استعمال الماء معه إلى زيادة العلة ، أو بطء المرض ، وفي هذه الحالة يجوز التيمم عند الحنفية والمالكية ، وهو أصح قولي الشافعي لما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر في رأسه فشجّه ، ثم احتلم ، فخاف من زيادة العلة إن استعمل الماء ، فقال لأصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على استعمال الماء. فاغتسل ، ثم ازدادت علته ومات ، فلما قدمنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم علم بما حصل فقال عليه الصلاة والسلام : «قتلوه ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العيّ السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم» (١).
الثالث : ما لا يخاف معه تلفا ولا بطأ ، ولا زيادة في العلة من استعمال الماء ، وفي هذه الحالة لا يجوز التيمم عند الحنفية والشافعية ، لأنّه لم يخرج عن كونه قادرا على استعمال الماء ، فلا يرخّص له في التيمم وعند المالكية يجوز التيمم لإطلاق النص.
الرابع : أن يكون المرض حاصلا لبعض الأعضاء ، فإن كان الأكثر صحيحا وجب غسل الصحيح ومسح الجريح ، ولا يجوز التيمم ، وإن كان الأكثر جريحا يجوز التيمم ، وهذا مذهب الحنفية. وعند الشافعية : يغسل الصحيح ، ثم يتيمم مطلقا. وعند المالكية : جاز له التيمم مطلقا.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ١٤١) ، كتاب الطهارة ، باب المجروح يتيمم حديث رقم (٣٣٦).