ومن ذلك يتبيّن أن المريض يترخّص بالتيمم ، ولو كان الماء موجودا ، بخلاف المسافر كما سيأتي ، فإنّ ترخّصه مقيّد بعدم الماء.
وقوله : (أَوْ عَلى سَفَرٍ) وإن كنتم مستقرين على سفر لا تجدون معه الماء وكنتم محدثين (فَتَيَمَّمُوا) أي فيلزمكم التيمم إلخ. وليس المراد سفر القصر وإنما المراد السير خارج العمران ، سواء وصل إلى مسافة القصر أم لا ، بخلافه في قوله تعالى في سورة البقرة (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤] فإنّ المراد به سفر القصر.
وإنما قيد الأمر هنا بالسفر مع أن المنظور إليه عدم الماء ، لأنّ السفر هو الذي يغلب فيه عدم الماء ، بخلاف الحضر ، ولو فرض عدم الماء في الحضر وجب التيمم على المحدث عند إرادة الصلاة عند الحنفية والمالكية والشافعية.
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) وتقدم في [النساء : ٤٣] أنّ هذه كناية في قضاء الحاجة ، وكل ما يخرج من السبيلين ملحق بقضاء الحاجة بدلالة الأحاديث الواردة عليه ، و (أو) هذه بمعنى الواو ، فإنّ الأمر بالتيمم للوجوب ، ولا يجب التيمم في المرض أو السفر إلا عند الحدث مع إرادة الصلاة أو وجوبها ، ولأنها إذا لم تكن بمعنى الواو لزم أن تكون قسما ثالثا مغايرا للمريض والمسافر ، فلا يكون وجوب الطهارة عليهما متعلقا بالحدث ، مع أنّ الوجوب لا يتعلق بهما إلا إذا كانا محدثين ، فوجب أن تكون (أو) بمعنى الواو ، ولذلك نظائر كما تقدم.
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) تقدم الكلام على تفسير هذه الجملة مستوفى [النساء : ٤٣] وملخّصة أنّ الملامسة هنا يحتمل أن يراد بها الجماع ، كما تأولها علي وابن عباس وغيرهما من السلف ، وكانوا لا يوجبون الوضوء على من مسّ امرأة باليد ، ويحتمل أن يراد بها المس باليد ، كما تأولها بذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود من السلف ، وكانا يوجبان الوضوء على من مس امرأة باليد ، وقد تقدّم ترجيح القول بأن المراد بها الجماع ، كما تقدم تفصيل الخلاف بين الفقهاء في ذلك أيضا.
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) المراد بعدم وجدان الماء عدم القدرة على استعماله ، سواء كان لعدم وجوده ، كما في السفر ، أو للضرر الذي يخشى من استعماله كما في حالة المرض ، أو لمانع يمنع من استعماله كما إذا وجد الماء ، ولكنه يخاف عطشا أو سبعا ، أو وجده بأكثر من قيمته ، فمثل هذا لا يعد واجدا للماء عند الحنفية والمالكية والشافعية.
وقد وقع الخلاف بين الأئمة في المراد من وجود الماء الذي يمنع من التيمم ، فقال المالكية : المراد بوجود الماء الوجود الحكمي ، بمعنى أن الشخص يتمكن شرعا من استعماله من غير ضرر ، والحنفية يقولون بالمراد الوجود الحسي ، بمعنى أنه يتمكن