(وَالسَّارِقُ) مبتدأ خبره محذوف ، والمعنى حكم السارق والسارقة مما يتلى عليكم ، وقوله : (فَاقْطَعُوا) جملة مبينة لحكمهما ، فهما جملتان ، ويحتمل أن تكون جملة (فَاقْطَعُوا) خبرا عن المبتدأ ، وحسّن اقترانها بالفاء أنّ الألف واللام في المبتدأ قائمة مقام الاسم الموصول ، وخبره يقترن بالفاء كثيرا ، خصوصا إذا روعي أنه جزاء ، والجزاء يقترن بالفاء.
ولما كانت السرقة معهودة كثيرا من النساء كالرجال صرّح بالسارقة للزجر ، ومزيد العناية بالبيان ، وإن كان المعهود إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال.
والسرقة في اللغة : أخذ المال مطلقا في خفاء وحيلة ، ولكنه ورد عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يبيّن أنّ قطع الأيدي لا يكون في مطلق السرقة ، بل في سرقة شخص معيّن مقدارا معينا من حرز المثل ، ولذلك عرف الفقهاء السرقة بأنها : أخذ العاقل البالغ مقدارا مخصوصا خفية من حرز بمكان ، أو حافظ ، ودون شبهة.
أما العقل والبلوغ فلأنّ السرقة جناية ، وهي لا تتحقق دونهما.
وأما المقدار فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا ، أو قيمتها من غيرها ، وروي عن الصاحبين أنه لا قطع إلا فيما يساوي عشرة دراهم مضروبة.
وقال مالك والشافعي والأوزاعي : لا قطع إلا في ربع دينار.
حجة الحنفية ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا قطع فيما دون عشرة دراهم» (١).
وما روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر وأيمن الحبشي وأبي جعفر وعطاء وإبراهيم من أنهم كانوا يقولون : لا قطع إلا في عشرة دراهم.
وحجة المالكية والشافعية : ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» وما
روي عن عائشة أيضا من أنه عليه الصلاة والسلام قال : «لا تقطع يد السّارق إلا في ربع دينار فصاعدا» (٢) وهذا القول منقول عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
وإذا لوحظ أن الحدود تدرأ بالشبهات ، وأنّ الاحتياط أمر لا يجوز الإغضاء عنه ، وأنّ الحظر مقدّم على الإباحة أمكن ترجيح مذهب الحنفية ، لأنّ المجنّ المسروق في عهده
__________________
(١) رواه النسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٤٥٥) ، كتاب قطع السارق حديث رقم (٤٩٥٦).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٨ / ٢١) ، ٨٦ ـ كتاب الحدود ، ١٤ ـ باب قول الله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) حديث رقم (٦٧٨٩).