وإذا عاد إلى السرقة ثالثا وقف القطع عند الحنفية ، فلا يقطع منه عضو بعد ذلك ، ولكنّه يضمّن المسروق ، ويعزّر بالحبس حتى تظهر توبته ، لما روي عن علي بن أبي طالب أنه أتي بسارق للمرة الثالثة فقال : لا أقطع ، إن قطعت يده فبأيّ شيء يأكل ، وبأي شيء يستنجي ، وإن قطعت رجله فبأيّ شيء يمشي ، إني لأستحيي من الله ، ثم ضربه بخشبة وحبسه (١).
وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعند المالكية والشافعية : تقطع يده اليسرى ، وإن عاد إلى السرقة رابعا تقطع رجله اليمنى.
وإذا كانت العين المسروقة قائمة ، وردّت إلى مالكها ، وقطعت يد السارق ثم عاد إلى سرقتها مرّة ثانية فلا يقطع فيها عند الحنفية ، وأما المالكية والشافعية فيقولون بالقطع ، وهو رواية عن أبي يوسف لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام : «فإن عاد فاقطعوه».
تمسّك الحنفية بما يؤخذ من قوله عليه الصلاة والسلام : «لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه» (٢) فإنّ عدم ضمان المال يدلّ على أنّ المال أصبح غير معصوم في حق السارق بعد قطع يده ، لأنّه لو كان معصوما مع قطع يده لوجب ضمانه ، وحيث لم يجب الضمان تبيّن أن المال غير معصوم في حقه ، فإذا كانت العين المسروقة قائمة ، وردت إلى المالك ، فلا نزاع في أنّ العصمة عادت إليها ، ولكن مع هذا لا زالت شبهة سقوط العصمة قائمة ، فأشبهت المباح في حقه ، فلا تقطع يده في سرقتها ثانية فإنّ الحدود تدرأ بالشبهات.
وإذا قطعت يد السارق ، وكانت العين المسروقة قائمة وجب ردها إلى صاحبها ، وإذا كانت هالكة أو مستهلكة فلا ضمان عليه عند الحنفية ، وقال المالكية : يضمّنها إن كان موسرا ، ولا شيء عليه إن كان معسرا.
وقال الشافعية : يضمنها مطلقا ، أما ردها وهي قائمة فلما ورد من أنه عليه الصلاة السلام ردّ رداء صفوان إليه حين قطع يد السارق ، وأما عدم الضمان عند عدمها فلقوله عليه الصلاة والسلام : «لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه».
وحجة القائلين بالضمان قياسه على سائر الأموال الواجبة ، فإنّهم أجمعوا على رد العين المسروقة إذا كانت موجودة ، وهو يستلزم أنها إذا لم تكن موجودة تكون في ضمانه ، كما في سائر الأموال الواجبة ، ترد بنفسها إن كانت قائمة ، ويرد مثلها إن
__________________
(١) انظر نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي ، كتاب السرقة ، فصل في كيفية القطع وإثباته (٣ / ٥٧٠).
(٢) رواه النسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٤٦٢) ، كتاب السرقة ، باب تعليق يد السارق حديث رقم (٤٩٨٤).