كانت هالكة ، ويدلّ على ذلك أيضا ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (١).
وقوله : (جَزاءً) مفعول له ، أو مصدر مؤكد لفعله الدال عليه قوله : (فَاقْطَعُوا) أي فجازوهما جزاء وقوله : (بِما كَسَبا) متعلق (بجزاء) على الإعراب الأول ، وبقوله : (فَاقْطَعُوا) على الإعراب الثاني ، و (ما) مصدرية ، أي بسبب كسبهما ، أو موصولة ، أي بسبب الذي كسباه.
وقوله : (نَكالاً) مفعول له للإشعار بأنّ القطع للجزاء. والجزاء للنكال فيكون مفعولا له متداخلا كالحال المتداخلة.
والنكال : الإهانة والتحقير للمنع من العودة.
وقوله : (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف صفة لنكالا.
(وَاللهُ عَزِيزٌ) أي غالب في تنفيذ أوامره ، يمضيها كيف يشاء من غير منازع ولا ممانع ، وهو (حَكِيمٌ) في تشريعه ، لم يشرع إلا ما فيه المصلحة ، فمن تاب من السرّاق من بعد ظلمه بما وقع منه من السرقة ، وأصلح في توبته بأن تكون التوبة عند الجمهور ، وقيل : تسقطه ، لأن ذكر الغفور الرحيم يدل على سقوط العقوبة ، والعقوبة المذكورة هي القطع.
قال الله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢))
السحت : الاستئصال من سحته إذا استأصله ، ومنه قوله تعالى : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [طه : ٦١] أي يستأصلكم ، ويطلق السّحت على الحرام الخسيس الذي يعيّر به الإنسان ، لأنّه يستأصل فضيلة الإنسان وشرفه ، ويستأصل جسده في النار في الآخرة ، ويطلق أيضا على شدة الجوع ، لأنّ من كان شديد الجوع يستأصل ما يصل إليه من الطّعام.
وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد أنّ السحت الرشوة ، وأجر البغي وعسب الفحل ، وثمن الخمر ، وثمن الميتة ، وحلوان الكاهن ، والاستئجار في المعصية ، ويرجع أصل ذلك كله إلى الحرام الخسيس الذي يعيّر به الإنسان ويخفيه.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٣ / ٢٨٤) ، كتاب البيوع ، باب تضمين العارية حديث رقم (٣٥٦١) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٥٦٦) ، كتاب البيوع ، باب العارية حديث رقم (١٢٦٦) ، وابن ماجه في السن (٢ / ٨٠٢) ، كتاب الصدقات ، باب العارية حديث رقم (٢٤٠٠).