بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] والمؤاخذة بها هو عقاب الآخرة. ويدل له قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [آل عمران : ٧٧] فذكر الوعيد فيها ولم يذكر الكفارة.
وقد روى جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من حلف بيمين آثمة على منبري هذا فليتبوأ مقعده من النار» (١) ولم يذكر الكفارة.
والمسألة مبسوطة في كتب الفروع. (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) يحتمل أن تكون (ما) مصدرية ، أي بتعقيدكم الأيمان ، وتوثيقها بالقصد والنية.
ويحتمل أن تكون (ما) موصولة ، والعائد محذوف ، أي بما عقدتم الأيمان عليه.
والمعنى : لكن يؤاخذكم بنكث ما عقدتم الأيمان عليه ، أو بنكث تعقيدكم اليمين.
ويحتمل أن يكون المعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمين إذ حنثتم ، وحذف الشرط للعلم به ، وقد عرفت أنّ الشافعية يدخلون الغموس في اليمين المعقودة ، ففيها الكفارة عندهم ، والحنفية يقولون : لا كفارة في الغموس.
(فَكَفَّارَتُهُ) أي فكفارة يمينكم إذا حنثتم ، أو فكفارة نكثه (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) ذهب الشافعية إلى جواز إخراج الكفارة قبل الحنث إذا كانت مالا ، وأما إذا كانت صوما فلا ، حتى يتحقّق السبب بالحنث ، واستدلوا بظاهر هذه الآية ، حيث ذكر الكفارة مرتبة على اليمين ، من غير ذكر الحنث ، وقال الله تعالى : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) وقاسوها أيضا على إخراج الزكاة قبل الحول. وأما الصوم فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن الخصال الثلاثة قبله ، ولا يتحقق العجز إلا بعد الحنث ووجوب التكفير.
والحنفية يرون أنّ الآية فيها إضمار الحنث ، وهو متعيّن ، إذ لم يقل أحد ولا الشافعية بوجوب الكفارة قبل الحنث ، فالحنث وإن لم يذكر إلا أنه معلوم ، فهي على حد قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٥] حيث كان وجوب العدة مرتبا على الإفطار المقدّر.
ونحن نرى أنّ الآية لا تصلح شاهدا لواحد من الطرفين.
(مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) لا من جيده فيقع الحيف عليكم ، ولا من رديئه فتبخسوا المسكين حقه ، ويجوز أن يكون المراد من أوسطه في المقدار ، أي : إذا كان فرد يأكل كثيرا ، أو فرد يأكل قليلا فتوسطوا بين المقدارين ، وأطعموا المسكين هذا
__________________
(١) رواه ابن ماجه في السنن (١ / ٧٧٩) ، كتاب الأحكام ، باب اليمين حديث رقم (٢٣٢٥).