الوسط. وقدّره الشافعية بمدّ لكل مسكين ، والحنفية قدّروه بما يجب في صدقة الفطر.
والجار والمجرور (مِنْ أَوْسَطِ) متعلّق بمحذوف صفة لمصدر محذوف ، أي إطعاما كائنا من أوسط.
(أَوْ كِسْوَتُهُمْ) عطف على (إطعام) إما باعتبار أن الكسوة مصدر ، أو على إضمار مصدر.
(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وقد اشترط الشافعية فيها الإيمان ، لأنّ النص لم يقيّد هنا ، وقيّد في مواضع أخر كالقتل مثلا ، فدل ذلك على أنّ القيد حيث وجد فهو مقصود. والحنفية لا يرون هذا.
إلى هنا نصّت الآية الكريمة على أنّ كفارة اليمين الإطعام ، أو الكسوة ، أو التحرير.
وقد اختلف العلماء في متعلّق خطاب التكليف ، فذهب بعض المعتزلة إلى أنّ الواجب الجميع ، ويسقط بالبعض.
وقيل : الواجب واحد بعينه عند الله ، ويتعين بفعل المكلف ، فيختلف بالنسبة للمكلفين.
وقيل غير هذا ، والمسألة معروفة في علم الأصول ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) واشترط الحنفية فيها التتابع ، وهو مذهب ابن عباس ومجاهد ، وأخرج الحاكم وابن جرير وغيرهم من طريق صحيح أنّ أبي بن كعب كان يقرأ الآية هكذا (ثلاثة أيام متتابعات) (١) وروي هذا أيضا عن ابن مسعود ، وقال سفيان : نظرت في مصحف الربيع فرأيت فيه : (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات).
وأما الشافعي فلا يشترط التتابع ، لأنه يرى أن هذه قراءات شاذّة لا يحتجّ بها ، ولعلها لم تثبت عنده.
(ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) وحنثتم. (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) أي احفظوا أنفسكم من الحنث فيها ، أو لا تبذلوها وأقلوا من الحلف ، فإنّ ذلك مسقط لهيبتكم ، وهو حينئذ في معنى قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٤] ومنه قول الشاعر :
قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
إذا بدرت منه الأليّة برّت |
وقيل : إنّ معنى ذلك راعوها حتى لا تحنثوا فيها ، فتلزمكم الكفارة.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي مثل هذا البيان الشافي بيّن الله لكم أحكامه ، لتشكروه على ما أنعم عليكم.
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢ / ٥٣٩).