والثانية : اتقاء الخمر والميسر ، والثالثة اتقاء ما يحدث بعد هذه الآية.
وذهب بعضهم إلى أنّ التقوى الأولى اتقاء الكفر ، والثانية اتقاء الكبائر ، والثالثة اتقاء الصغائر.
وذهب بعضهم إلى أنّ المراد من هذا التأكيد في الحثّ على الإيمان والتقوى.
يبقى أن يقال : كيف شرط الله في رفع الجناح عن المطعومات والمشروبات الإيمان والتقوى مع أنّ الجناح مرفوع عن المباح من المطعومات حتى عن الكافرين ، ولكن متى عرف أن ذلك كان جوابا عن سؤال بشأن مؤمنين خيف أن ينالهم شيء من الإثم على ما تناولوا من المحرمات قبل التحريم ، وأن الآية بصدد طمأنة السائل على أصحابه ، وأنهم ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأنّها مثل قول الله تعالى في شأن من مات قبل الصلاة إلى الكعبة (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] متى عرف ذلك ظهرت فائدة الشرط وتذييل الآية بقوله تعالى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) للإشادة بشأن الإحسان في ذاته ، وشأن هؤلاء الذين نزلت الآية فيهم.
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤))
تقدّم الكلام غير مرة في معنى الابتلاء ، وأنّ المراد منه في مثل هذا المقام أن يعامل العباد معاملة المبتلي المختبر ، ليتعرف حالهم وهل يثبتون على المحن والشدائد أو لا يثبتون.
أخرج ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية عن مقاتل أنها نزلت في عمرة الحديبية حيث ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون ، فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم ، وكانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم ، وطعنا ، برماحهم ، وذلك قوله تعالى : (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) فهموا بأخذها ، فنزلت هذه الآية ، وخص الأيدي والرماح ، لأن الصيد يكون بهما غالبا.
والتنكير في قوله تعالى : (بِشَيْءٍ) للتحقير ، وإنما امتحنوا بهذا الشيء الحقير تنبيها على أنّ من لم يثبت أمام هذه الأشياء التافهة كيف يثبت عند شدائد المحن ، ويمكن أن يقال : إنّ التنوين للتعظيم ، باعتبار جزاء الاعتداء عليه فإنّه عظيم ، و (من) في قوله : (مِنَ الصَّيْدِ) للتبعيض ، إما باعتبار أن المراد صيد البر لا صيد البحر ، أو صيد الحرم دون صيد الحل.
(لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أي ليظهر ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته حاصلا منهم فيما لا يزال (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي فمن تجاوز حدّ الله في الصيد بعد هذا التنبيه فله عذاب أليم ، لأنّ المخالفة بعد الإنذار مكابرة وعدم مبالاة ، والمراد