بالعذاب عذاب الآخرة ، وقيل : بل وعذاب الدنيا ، فقد روي عن ابن عباس. قال : هو أن يوسع ظهره وبطنه جلدا ، ويسلب ثيابه.
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) النهي عن القتل يدلّ على تحريم إزهاق روح الصيد مطلقا ، سواء كان من طريق الفعل أو من طريق التسبب ، كالإشارة والدلالة مثلا ، ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسالم لبعض أصحابه : «هل أشرتم ، هل دللتم» ، قالوا : لا. قال : «إذن فكلوا» (١). فدل هذا على أنّ للإشارة والدلالة مدخلا في التحريم ، وأنّهما مما يتناوله النهي في قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) فكان النهي متناولا للقتل من طريق المباشرة والتسبب. والمراد بالصيد المصيد ، وقد اختلف في المراد بمدلوله ، فذهب بعضهم إلى أنّ المراد منه الحيوان المتوحش مطلقا سواء أكان مأكولا أم غير مأكول ، وخصّه بعضهم بالمأكول ، وبالأوّل قال الحنفية ، وبالثاني قال الشافعية ، وانبنى على هذا الخلاف أن من قتل سبعا وهو محرم فهل يجب عليه الجزاء أو لا يجب ، قال الحنفية : يجب ، وقال الشافعية : لا يجب.
استدل الحنفية لمذهبهم بأن الصيد اسم عام يتناول كل ما يصاد من المأكول ومن غير المأكول ، وهو اسم عربي واضح الدلالة على معناه ، وقد كانت العرب تصطاد ، وتطلق اسم الصيد على كل ما تناولته أيديهم ورماحهم.
ولم تنحصر فائدة حل الاصطياد في الأكل ، بل قد تكون الفوائد التي هي غير الأكل أجدى من الأكل ، ومغرية بالصيد أكثر منه ، كصيد الفيلة للانتفاع بسنها مثلا ، فيبقى اسم الصيد عاما في الحلال والحرام ، لا يخرج منه شيء إلا ما أخرجه الدليل. وقد فهم الصحابة هذا فامتنعوا من فعله مطلقا ، حتى أذن لهم صلىاللهعليهوسلم في الخمس الفواسق ، فهي خارجة من هذا العام بهذا الإذن. وقد قال الإمام علي رضي الله عنه :
صيد الملوك أرانب وثعالب |
|
وإذا ركبت فصيدي الأبطال |
فسمى الثعلب ، صيدا ، وهو مما لا يؤكل ، إذ هو من السباع ذات الناب.
وذكر الفخر الرازي حجة الشافعية فقال : حجة الشافعي القرآن والخبر. أما القرآن فهو أنّ الذي يحرم أكله ليس بصيد ، فوجب أن لا يضمن. إنما قلنا : إنه ليس
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٨٥١) ، ١٥ ـ كتاب الحج ، ٨ ـ باب تحريم الصيد حديث رقم (٥٦ / ١١٩٦).