وما ندري إذا أراد الفخر أن يستدل للحنفية فماذا يقول : إنه لا يقول ولا يفعل أكثر من أن يقول : وحجة الحنفية ، ثم يذكر هذا الدليل ، فإنك قد عرفت أن الحنفية يقولون : إن الصيد اسم عام يتناول المأكول وغير المأكول لا يخرج عنه شيء إلا ما أخرج الدليل ، وقد أخرج الدليل الخمس الفواسق ، لأنها فواسق ، لا لأنها ليست بصيد ، أو لأنها غير مأكولة ، فهذا دليل للحنفية لا عليهم. وأما ما ذكر من الرواية الأخرى التي صرح فيها باسم «السبع العادي» فالحنفية لهم أن يقولوا : بل هم قد قالوا فعلا : إن صح هذا الحديث فنحن نقول بموجبه ، فقد جاء في الحديث وصف السبع بالعادي ، والعادي معناه الضاري ، وهم يقولون بقتل كل ما يكون منه عدوان دفعا لعدوانه ، وإضافة هذا الوصف دليل على أنه من غير الفواسق ، وفي ذلك دليل على أنه إنما يحل قتله في حال ضراوته وعدوانه. والحنفية يقولون : إن السبع لو قتل في هذه الحال لا جزاء فيه ، فأنت ترى أنّ هذه الحجة التي ساقها الفخر الرازي للتدليل على مذهب الشافعية لا تصلح دليلا على الدعوى.
وإنما يصلح دليلا لهم أن يقوم الدليل على أنّ الصيد خاصّ بالمأكول ، فإن ثبت هذا كانت الآية حجة لهم ، وإلا فهي ظاهرة في العموم حتى يقوم الدليل على الخصوص ، وقد قال الفخر الرازي في الرد على بيت الإمام علي الذي استدل به الحنفية : إنه غير وارد ، لأن الثعلب مأكول ، فهو صيد ، ونحن نقول به ، والرد من هذه الجهة مقبول له أنه ثبت أنه إنما سماه صيدا لأنه مأكول ، وهذه هي محل النزاع (١).
وعلى أي حال فالآية ظاهرها العموم حتى يقوم الدليل على الخصوص.
(وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) حرم جمع حرام ، وقد قيل : إن المراد وأنتم محرمون بالحج ، وقيل : بل المراد وقد دخلتم بالحرم ، وقيل : هما مرادان بالآية ، وعلى هذا المعنى الأخير فهذه الآية تدلّ على أنّ المحرم ممنوع من الصيد مطلقا داخل الحرم وخارجه ، وعلى أنّ الحلال ممنوع من الصيد داخل الحرم.
(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ظاهر الآية ترتيب الجزاء المخصوص على القتل العمد ، وقد اختلف السلف في ذلك على ثلاثة أقوال : فالجمهور على أنّ الجزاء يترتب على قتل الصيد مطلقا ، سواء تعمّد القاتل قتله أو أخطأ فيه ، وسواء كان ذاكرا لإحرامه أو ناسيا.
وإنما خصّ العمد بالذكر لأجل أن يرتّب عليه الانتقام عند العود ، لأنّ العمد هو الذي يترتب عليه ذلك ، دون الخطأ.
__________________
(١) انظر تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي (١٢ / ٨٧).