بقي أن يقال : هذا حكم العمد قد عرف من الآية وأنّ فيه الجزاء ، فمن أين الجزاء في الخطأ.
قيل : إن جزاء الخطأ معروف من الدليل الذي يقرّر التسوية في ضمان المتلفات. إذ إنّ من قتل صيد إنسان عمدا أو خطأ في غير الحرم ، أو أتلف مالا مملوكا لإنسان عمدا أو خطأ فعليه جزاؤه ، فهذا حكم عام في جميع المتلفات. بل قد عرف في باب جنايات الإحرام بوجه خاص أنه لا فرق بين معذور وغير معذور في وجوب الفدية ، وما الخطأ إلا عذر من الأعذار ، غاية ما يؤثر في العقوبة الأخروية فيسقطها.
وإذا ثبت أن جناية الإحرام يستوي فيها المعذور وغير المعذور علمنا أن القتل العمد والخطأ في وجوب الجزاء سواء ، وليس ذلك إثباتا للكفّارة بالقياس ، بل بما ثبت به أن ضمان المتلفات يستوي فيه العمد والخطأ.
وذهب ابن عباس فيما رواه قتادة عنه : أنه لا شيء في الخطأ ، وهو قول طاوس وعطاء ومجاهد في إحدى الروايتين عنه.
والرواية الأخرى أنّه إن قتله عامدا ناسيا لإحرامه ، أو قتله خطأ ذاكرا لإحرامه فهذا الذي يحكم عليه بالجزاء. أما من قتله عامدا ذاكرا لإحرامه فهذا لا ينفعه الجزاء.
فقد أخرج ابن جرير (١) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ، ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليس له رخصة ، ومن قتله ناسيا إحرامه ، أو أراد غيره ، فذلك العمد المكفر.
وروى ابن أبي نجيح عنه أيضا في هذا المعنى قال : من قتله ناسيا لإحرامه متعمّدا لقتله ، فذلك الذي يحكم عليه ، فإن قتله ذاكرا لإحرامه متعمّدا قتله لا يحكم عليه ، ولا حجّ له.
وفي رواية : هذا لا يحكم عليه. هذا أجلّ من أن يحكم عليه. وقال ابن زيد : أما الذي يتعمّد فيه ، وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أن قتله غير محرّم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدا بعد نهي الله ، وهو يعلم أنّه محرم ، وأنه حرام ، فذلك يوكل إلى نقمة الله.
فهذه أقوال ثلاثة في قتل الصيد ، وقد علمت أن الجمهور على الأوّل وعلمت وجهه. (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قرئ (فَجَزاءٌ) بالرفع والتنوين ، والمعنى على هذه القراءة فالواجب جزاء مماثل للمقتول.
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٧ / ٢٧).