وروي عن ابن عباس وشريح أنه إن عاد لم يحكم عليه بكفارة ، حتى إنهما كانا يسألان المستفتي هل أصبت شيئا قبله؟ فإن قال : نعم ، لم يحكم عليه ، وإن قال : لا ، حكم عليه. وهم في هذا الذي ذهبوا إليه يتمسكون بظاهر الآية.
والجمهور يقولون : إن عذابه والانتقام منه في الآخرة لا ينافي وجوب الجزاء عليه ، وإنما لم ينصّ عليه لعلمه مما تقدم.
قال الله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)) أي أحل لكم أيها المحرمون ما يصاد من الماء بحرا كان أو نهرا ، أو غيره ، والمراد به الحيوان الذي يكون توالده ومثواه في الماء ، سواء أكان مأكولا ، أم غير مأكول.
وقد قيل : إنّ هذا الترخيص خاصّ بالسمك ، أما طير البحر فلا يتناوله الترخيص (وَطَعامُهُ) المراد منه ما يطعم منه ويحل أكله ، فهو من عطف الخاص على العام ، ويكون الحل الواقع على الصيد المراد منه حل الانتفاع مطلقا ، ثم عطف عليه ما يفيد حل الأكل خاصة امتنانا بالإنعام بما هو قوام الحياة ، وهو الأكل.
ولا شكّ أنّ الصيد من البحر قد يقصد لمنافع أخرى غير الأكل ، كأخذ زيته ، وما يحويه بعض حيوان البحر من العظم والسن والعنبر وغير ذلك.
وذهب ابن أبي ليلى إلى أنّ المراد من الصيد والطعام المعنى المصدري ، فكأنه قيل : أحل لكم الاصطياد من البحر ، وأن تطعموا ما صدتموه ، ومن أجل ذلك ذهب هو إلى أنّ جميع حيوان البحر مأكول.
وقيل : بل المراد بصيد البحر ما أخذ بحيلة ، وبطعامه ما ألقاه البحر أو جزر عنه الماء.
غير أنّ هذا ربما يعكّر على الحنفية الذين يقولون بحرمة ما طفا على وجه الماء من السمك الميت ، وإن كان لهم أن يقولوا في الجواب : إن ما طفا ليس مما ألقاه البحر ، بل هو ميت لعلة أخرى غير الصيد وغير إلقاء البحر ؛ وانحسار الماء عنه ، وهو حينئذ ميتة يشملها قول الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] وقد تقدّم الكلام فيه في سورة البقرة.
وقيل : المراد بصيد البحر السمك الطري : وبطعامه السمك المملوح ، وسميّ طعاما لأنه يدّخر للاقتيات؟ قالوا : وهذا بعيد ، لأنه داخل تحت قوله : (صَيْدُ الْبَحْرِ) لأنّه قبل أن يملّح كان طريا.
(مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) أي أحللنا لكم ذلك لتتمتعوا به مقيمين ومسافرين ، ولا