الأحوال ملابسة للبين أضيفت إليه ، كما تقول : اسقني ذا إنائك أي ما فيه ، جعل كأنه صاحبه.
والبين في أصل اللغة يطلق على الاتصال والافتراق ، وكل ما بين طرفين كما قال تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] برفع بين بمعنى الوصل ، وبنصبه على الظرفية بمعنى وقع التقطع بينكم. ومن استعمال البين بمعنى الافتراق والوصل قول الشاعر :
فو الله لو لا البين لم يكن الهوى |
|
ولو لا الهوى ما حنّ للبين آلف |
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في الغنائم ، وفي كل أمر ونهي ، وقضاء وحكم ، وذكر الاسم الجليل في الأمرين لتربية المهابة وتعليل الحكم. وذكر الرسول مع الله تعالى أولا وآخرا لتعظيم شأنه ، وإظهار شرفه ، والإيذان بأنّ طاعته عليه الصلاة والسلام طاعة الله تعالى : وتوسيط الأمر بإصلاح ذات البين بين الأمر بالتقوى ، والأمر بالطاعة لإظهار كمال العناية بالإصلاح ، وليندرج الأمر به بعينه تحت الأمر بالطاعة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلق بالأوامر الثلاثة ، والجواب محذوف لدلالة ما تقدّم عليه ، أي فامتثلوا الأوامر الثلاثة فإنّ الإيمان يقتضي ذلك كله ، أو الجواب نفس ما تقدم على الخلاف.
وأيا ما كان ، فالمراد بيان ترتب ما ذكر عليه ، لا التشكيك في إيمانهم ، وهو يكفي في التعليق بالشرط.
والمراد بالإيمان التصديق ، ولا خفاء في اقتضائه ما ذكر على معنى أن من شأنه ذلك ، لا أنه لازم له حقيقة.
وقد يراد بالإيمان الإيمان الكامل ، والأعمال شرط فيه ، أو شطر ، فالمعنى إن كنتم كاملي الإيمان فإنّ كمال الإيمان يدور على تلك الخصال الثلاثة : الاتقاء والإصلاح وإطاعة الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
ما يستنبط من الآية
يستفاد منها أمور :
١ ـ حرص الصحابة على السؤال عما يهمهم من أمر دينهم.
٢ ـ إنّ الأحكام مرجعها إلى الله تعالى ورسوله ، لا إلى غيرهما.
٣ ـ اهتمام الشارع بإصلاح ذات البين ، فهو واجب شرعا لتوقف قوة الأمة عليه وعزتها ومنعتها ، ولحفظ وحدتها به.
٤ ـ إن امتثال ما أمر به الشارع من ثمرات الإيمان. والله أعلم.