الوقت ، وإن كان له أن يقول : إن الفجر فيه قرآن واجب ، وهو قرآن الفجر ، ولكن هذا إن أثبت له ما أراد فهو يثبت وجوب القراءة في الفجر ، فمن أين وجبت في كل الصلوات ، سيقول من دليل آخر ، فنقول : ذلك هو الدليل على وجوب القراءة.
على أنا لا نرى أنّ حمل القرآن في قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) على الصلاة يؤدي إلى الغرض الذي أراده الجصاص من هذا ، وهو أخذ وجوب القراءة في الصلاة ، فإنّ تسمية صلاة الفجر بالقرآن إنما كانت لأن القراءة جزء مهمّ فيها ، كما سميت الصلاة بالركوع والسجود.
وقد أراد الفخر الرازي أن يأخذ من قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) دليلا على مذهب الشافعية ، في استحباب التغليس بالفجر ، ويقول في وجه الدلالة : إنّه أمر بإقامة الصلاة في الفجر ، والفجر إنما سمي فجرا ، لأنّ نور الصبح يفجر ظلمة الليل ، قال وظاهر الأمر للوجوب ، فمقتضى هذا اللفظ وجوب إقامة الصلاة في أول وقت الفجر ، إلا أنا أجمعنا على أنّ الوجوب غير حاصل ، فيبقى الأمر للندب.
وأنت تعلم أنّ أمر تحديد الصلوات قد ثبت بالسنة في حديث جبريل ، الذي بيّن فيه أول الوقت وآخره ، فدلّ ذلك على الجواز في كل الوقت ، فأفضلية التقديم على التأخير والعكس تحتاج إلى دليل مستقل ، ك : «أبردوا بالظهر» (١) ، «ولا تزال أمتي بخير : ما عجّلوا المغرب وأخّروا العشاء» (٢) ، فالتغليس بالفجر والتنوير والإسفار به يحتاج إلى دليل مستقل ، فالحكم هو ما يدلّ عليه ذلك الدليل.
وقد أخذ الفخر الرازي من تسمية صلاة الفجر بالقرآن الحثّ على تطويل القراءة في الصلاة ، وهو وجيه.
(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) قالوا : إن معنى ذلك أنّ ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصبح خلف الإمام.
قال الفخر ـ بعد سوق هذا الكلام ـ ويحتمل أن يكون المراد من قوله : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الترغيب في أن تؤدى هذه الصلاة بجماعة ، ويكون المعنى : كونها مشهودة بالجماعة الكثيرة ، وهو حسن أيضا.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩)).
(وَمِنَ اللَّيْلِ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره ، قم ، و (من) للتبعيض ، والمعنى : قم بعض الليل (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الهجود : النوم ، ولكنه أريد منه هنا
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (١ / ١٥٤) ، ٩ ـ كتاب مواقيت الصلاة ، ٩ ـ باب الإبراد حديث رقم (٥٣٨).
(٢) رواه أبو داود في السنن (١ / ١٧٢) ، كتاب الصلاة ، باب وقت المغرب حديث رقم (٤١٨).